+ A
A -

دخل لبنان عامه الثالث دون رئيس للجمهورية من غير ان يبدو في الأفق أية مبادرة جدية أو بصيص أمل باجتراح مخرج ما في المدى المنظور. رئيس مجلس النواب نبيه بري يطلق «بالونات اختبار» أقرب إلى فقاعات صابون، مقترحا تقصير ولاية مجلس النواب (الممدد له) وإجراء انتخابات نيابية مبكرة قبل الانتخابات الرئاسية عله يقنع المعطلين. وبعض السياسيين يتكلم عن الصيف المقبل كموعد لانتخاب رئيس...
عند انتهاء ولايته في 25 مايو 2014 غادر الرئيس السابق ميشال سليمان بعبدا، وشهرا بعد شهر راح العشب ينبت على طريق القصر الجمهوري، وشبح العزلة والموت يتسلل شيئا فشيئا إلى زوايا القصر المهجور. ومنذ اللحظة الأولى على انقضاء الست سنوات الرئاسية، لا بل قبل ذلك بكثير، كان واضحا أنه لن يكون هناك رئيس جديد انطلاقا من ان الدستور اللبناني ينص صراحة على انتخاب خلف للرئيس المغادر قبل شهرين من انتهاء المهلة الدستورية. وهذا ما كان يحصل عادة منذ الاستقلال عام 1943 وعلى مدى العقود المنصرمة، وحتى خلال أشد فترات الحرب قساوة في عامي 1976 و1982.
وبطبيعة الحال لم يحصل هذا الفراغ بشكل مفاجئ أو نتيجة تعذر التفاهم خلال الأسابيع التي سبقت موعد الانتخاب، بل ان فريقا كان يخطط له وآخر يتحسب لمثل هكذا احتمال. والدليل ان البلد استمر من دون حكومة أكثر من عشرة أشهر، وبقي كذلك حتى قبل انتهاء ولاية سليمان بثلاثة أشهر. في حين كان مضى على تكليف تمام سلام، رئيس الحكومة الحالي، تشكيل حكومة جديدة أكثر من عشرة أشهر من دون نتيجة. وقد ضغط وقتها غير طرف إقليمي ودولي على القوى السياسية اللبنانية لحسم أمر الحكومة كي يتأمن وجود سلطة شرعية واستمرارية للحكم بعد مغادرة سليمان الرئاسة. وهذا ما جنب لبنان فراغا كاملا في السلطة، أي أن يصبح بلا رئيس ولا حكومة، فيما كان قد مضى سنة على تورط «حزب الله» في الحرب السورية إلى جانب نظام الأسد. يومها زكّى نصرالله ترشيح سلام لرئاسة الحكومة، رغم كون الأخير محسوبا على قوى 14 آذار التي حظيت بأكثرية المقاعد في الحكومة الجديدة. وافق «حزب الله» لأنه كان يحتاج إلى غطاء رسمي داخلي أمام تصاعد حدة الحملة المعارضة لتدخله العسكري في سوريا. تدخل رغم انه كان أعلن أكثر من مرة تأييده لحل سياسي وحوار بين المعارضة والنظام، الذي كان وضعه في عام 2013 آخذا في التدهور والحصار يقترب من دمشق. فيما كان الاستحقاق الرئاسي يلوح في الأفق مدغدغا أحلام حليفه زعيم «التيار الوطني الحر» ميشال عون، الساعي لترتيب العلاقة مع رئيس «تيار المستقبل» سعد الحريري طمعا بالرئاسة.
كان للطرفين الحليفين إذن مصلحة في تشكيل حكومة جديدة كي يتسنى لهما التحكم في مجرى المسار الرئاسي، وربطه بالموقف الإيراني على وقع التطورات الاقليمية وتحديدا الحرب السورية. وهكذا شارك نواب «حزب الله» ونواب التيار العوني في اول جلسة انتخاب رئاسية، وعمدوا بعدها إلى تطيير النصاب لأن لا أكثرية في البرلمان تدعم وصول عون إلى الرئاسة. واستمرت عملية التعطيل على مدى أربعين جلسة ولغاية اليوم. عون الذي تخطى الواحدة والثمانين يعيش عقدة الرئاسة، ونصرالله يتلطى وراء رغبته معطلا الرئاسة طالما أن معالم الحرب في سوريا غير واضحة، لا بل تسلك مسارات أكثر تعقيدا، وتنتقل من معركة إلى أخرى رغم كل الدعم الروسي للأسد والموقف الأميركي المراوغ، على عكس حسابات إيران التي تحولت بالنسبة لها ولـ«حزب الله» إلى حرب استنزاف حقيقية.
أما القوى الأخرى فهي تقف عاجزة أمام تمرد المجتمع المدني الآخذ بالتحول إلى حراك جدي ضد كل أحزاب الطبقة السياسية، كما حصل في الانتخابات البلدية.
هناك في الأوساط المسيحية من بدأت تعتريه شكوك جدية حول ما إذا كان الهدف الأعمق هو التخلص من الرئيس المسيحي الوحيد في العالم العربي.
سعد كيوان
copy short url   نسخ
31/05/2016
2802