+ A
A -
كنا نجلس في مقهى، والسكينة تلف المكان كله، والهدوء يكتنف الزاوية التي كنا نجلس فيها،
لم يعكر صفو الهدوء إلا اثنان من الخفاف، كانا يطلقان الضحكات كل حين على كلام تافه بينهما..
كان التليفزيون يبث نشرة أخبار عربية، وحين أقول نشرة أخبار عربية فإنك عزيزي القارئ ستعرف تبعا ماذا كان يبث في ثناياها، فهي مثل الملابس السوداء في المناسبات العامة، إن رأيتها أيقنت بالمصيبة..
تضايقت من نشرة الأخبار الممزوجة بقهقهات الرجلين الخفيفين المجاورين لنا، وأنا أصلا ما انزويت في هذا المقهى إلا هربا منها، قلت في ضيق:
تبا لنشرات الأخبار..
على حظي التعس لم تأت كلمة تبا إلا على صورة الزعيم...
فجأة سكتت ضحكات الرجلين المجاورين لنا وكأنك أصمتهما بزر ريموت..
نظرا إليّ، ثم أكملا حديثهما.
أنا بلعت ريقي بصعوبة وكأنني أبلعة مخلوطا بتراب..
ابتسم صاحبي «الغبي» بعد أن لاحظ رعبي من نظرة الرجلين وقــال:
هل تخاف من أجهزة الأمن؟
فاجأني بالسؤال... ورطني... تلعثمت ثم قلت:
أخاف أن أجيب عن سؤالك.
قال لي:
إن كنت تخاف، فقل أخاف، وبذلك لن يضراك.
قلت:
إن قلت أخاف، سيعتقلانني بتهمة الخوف من أجهزة الأمن، لأن البريء لا يخاف.
قال لي: إذن قل لا أخاف.
قلت:
إن قلت لا أخاف، أيضا سيعتقلانني ولكن بتهمة الجرأة، لأن من لا يخاف من الأمن سيتجرأ على مخالفة النظام.
قال لي:
إذا ليس لديك إجابة؟
قلت:
إن صمت سيعتقلانني بتهمة تحقير سؤال عن أجهزة الأمن، مما يعني استخفافا بها.
قال لي:
إذن ما المخرج من سؤالي الذي أحرجت فيه؟
قلت:
المخرج أني ألعن الساعة التي خرجت بها معك.
فجأة قام الرجلان من مكانهما... وعيني تراقبهما، خرجا من الباب وعيني تراقبهما، ركبا سيارتهما وعيني تراقبهما، مضيا في طريقهما وعيني تراقبهما حتى اختفيا، والله ما راقبت بكل هذا الاهتمام حتى ابني الذي من صلبي..
وحين تيقنت من ذهابهما سلاما... قلت بفرح:
الشيشة يا عبده.

بقلم : بن سيف
copy short url   نسخ
08/05/2018
3946