+ A
A -
تفيد المعلومات المؤكدة، من ميادين الصراع العنيف، التي عاشتها سوريا والعراق مؤخراً، وخاصةً بعد تصفية الثورة السورية، بأن هناك عددا ضخما من شباب السلفية الجهادية، لم يُستوعب مدنياً، وبعضهم قد لا يكون مؤمناً، بعقيدة السلفية الجهادية ومذهب الغلو المتشدد، لكنه انخرط في القتال، في ظل البغي العسكري المتوحش وبعده الطائفي، الذي شُن على المشرق العربي، وتم توظيف الزخم له، في لعبة مخابراتية كبرى، زُج بها هؤلاء الشباب، في جحيم معادلة التوظيف المركزية.
هذه المعلومات، تشير إلى أن غالبية أولئك الشباب، يحمل قراراً تصحيحياً، بعضهم باشر بالفعل موقفه، والانسحاب من ميادين الصراع، ونسّق مع السلطات التركية، التي أخطرت الأطراف الدولية، بهذا الموقف، وأن أولئك الشباب من الخليج العربي، أو من المغرب العربي، وبناءً على مراجعات عديدة.
بعضها بسبب إعادة تعرفهم على منهج أهل السُنّة، المغيّب في خطاب وأدبيات التشدد، وبعضهم عبر مراجعات فكرية عقلية، والبعض الآخر إيماناً منه، بعد الصدمة الشرسة، بحجم العبثية، التي تسبب بها هذا الفكر للسلفية الجهادية، في زيادة أعباء الأمة وكوراثها وضحاياها.
أما المجموعة الأخرى، التي وصلت إلى مخابئ خاصة بداعش، في العراق أو سوريا، فلا نعرف كيف سيتم بعثها من جديد، وأين ستترقب لها، أذرعة المخابرات الإقليمية والعربية والدولية، ولذلك حديثنا هنا ينصب على شريحة الجهاديين التصحيحيين، والتي سترتد طريقة التعامل معهم، إلى عمق فكري وسياسي لسنوات قادمة، وهو ما يؤكد أهمية هذا الملف الحسّاس، لأمن الشعوب والمنطقة، بغض النظر عن موقف كل طرف، من هذه الصراعات.
البعد الآخر أننا نتحدث هنا، عن الشباب الذي انخرط في المعارك والحروب، تحت موقف لنجدة الشعوب المضطهدة، ضمن نظرية دفع الصائل، في الفقه الإسلامي، أو معادلة المقاومة الدولية لنصرة المظلوم، التي كانت حركات اليسار العالمي، تعتمدها إلى أوائل الثمانينيات، لكن دون أن يشمل هذا المقترح، أياً من مجرمي الحرب، من أي فصيل كان، ثبت تورطه الشخصي، ضد شعب الثورة أو شعب النظام، بغض النظر عن الطوائف الضحية، التي نُفذت الجريمة في جسم أبنائها.
فهؤلاء الأصل أن تنظم لهم محاكمة عادلة، والأصل ألا يفلت من هذه المحاكمة لا قادة داعش وغيرها، ولا قادة ميليشيات إيران، الإرهابيون الطائفيون في كلتا الضفتين، وكذلك المسؤولون العسكريون للنظام الإرهابي في دمشق، فهؤلاء لهم بند قانوني خاص، تتعامل معه العدالة الدولية الغائبة، وما يعنينا هنا أن أولئك الجناة لا يشملهم هذا الطرح.
ومن هنا هذه المجموعات الكبرى بعوائلها، التي استبقيت في مساحة محيّدة، بالتنسيق مع تركيا أو دخلت أراضيها، بعد أن ساهمت في تفكيك المعارك والحروب، وتحررت من هيمنة الواعظ الوظيفي الأجير.
ونفذت اتفاقات مهمة، ساهمت في تسويات ميدانية، منعت وقوع ضحايا وحروب في مناطق المدنيين، بل وتحمل اليوم أفق مراجعة فكرية، تتجه به نحو التصحيح المدني الإسلامي، وبعضهم قد يكون اتجه نحو العلمانية الوجودية أو التشريعية، كردة فعل، وهذا شأنه وحريته، المهم ألّا يُبطش بهؤلاء الشباب في منتصف الطريق.
فمع حقهم في الحياة ورعاية الطفولة في عوائلهم، وقد سلموا من التورط في جرائم الحرب، فإن التعامل العادل معهم، سيُهيئ الأرض لعودة الكثير من الشباب، الذين قد يستخدمون مستقبلا، في عمليات دموية تستنزف شعوب الشرق المنهكة، ومن الطبيعي أن تستلم تركيا هذا الملف، ويتم التنسيق مع الأمم المتحدة وإخطار الدول الغربية، وشراكة الدول ذات الشأن من جنسيات المقاتلين، لضمان تأمين المرحلة الانتقالية لهم.
هذه المرحلة تبدأ من تأمينهم وأهاليهم، وإصدار وثائق قانونية لهم، للسفر وليبقوا في تركيا كإقامات لجوء دائمة، يتاح لهم بعد ذلك تسوية الأمر مع دولهم، إن أرادوا الرجوع، أو الانتقال إلى دولة أخرى، ومن حق السلطات التركية، التأكد من موقف هؤلاء الشباب عبر قانون سلامة وطني، يؤمنهم إنسانيا وأهلهم، وهو ما جرى أهمه في ظل منعطف حساس جدا، حين ضمن هؤلاء الشباب، تسلم تلك المناطق بصورة سلمية، ساهمت في تأمين ما تبقى من مناطق الثورة، تحت معادلة السلم الأهلي.
ومعادلة السلم الأهلي ممتدة، لها عمق متفاعل، وهو مهمة اليوم وواجب كل الدول، بما فيها المجموعة الغربية، حيث إن هذا السبيل من أفضل السبل، لاحتواء الشباب دون أن يُحبطوا فيُعاد توجيه غيرهم، من قبل الساحات المضطربة، فيضروا أنفسهم والمواطنين المدنيين في العالم، وهو الاحتواء الأنجح، بناءً على أن خط التصحيح الجهادي الذي عالجه علي عزت بيغوفتش مبكراً، لا مكان له في عالم اليوم، فأين سيكون مكانهم إذن؟
إن ضمان الحياة الآمنة والسلم الأهلي، وفرص الاستقرار الاجتماعي، لهؤلاء الشباب، هو مشروع أممي دولي، لا يخص الشرق فقط، بل كل منظور السلام العالمي، حين يُطرح بصدق وشفافية، ومسؤولية الدول والمنظمات ذات الشأن، أن تباشر التواصل لدعم هذا الملف، وتعجيل الإجراءات القانونية، التي تحتاج تركيا أن تصدرها بضمانات مباشرة، لتلك العوائل، مطمئنة للدعم الغربي والدولي.
وهذه المعالجة، على صعيد الأمن القومي التركي، هي أفضل حل ووسيطة، لضمان الانتقال إلى ما بعد حالة الحروب في المنطقة، حيث ستتحول هذه المعالجة إلى عرف وسلوك سلمي، يشجع المزيد من الشباب على رفض توظيفهم، في الحروب القذرة، ثم استغلال عملياتهم لصالح أطراف اللعبة الدولية الإقليمية.
إن مكتب دراسات الشرق الذي أشرف عليه، ومن واقع اهتمامه بملف البنية الفكرية لفض النزاعات، وإخراج الشرق من دائرة الحروب، ومن خلال متابعته الكثيفة لملف الصراعات، يُدرك تماماً أهمية مثل هذه المعالجات، في عملية توسيع دائرة السلم الأهلي، خاصة في ظل مرحلة انتقالية صعبة يمر بها الشباب.
في ظل ردود فعل لا يمكن استيعاب تأثيراتها، عند إعادة توظيف المسألة (الوهابية)، مع مصالح إدارة الرئيس ترامب، أو سقوطها الفكري، في العالم الإسلامي، في حين ستهدأ نفوس الشباب، حين تعبر أسئلة الحدث وصراعات الشرق في مهجهم، وهم في وضع آمن، فتتعزز قيم السلام الإسلامية لديهم وتتوارى أفكار التعصب والصراع.
بقلم : مهنا الحبيل
copy short url   نسخ
13/05/2018
2535