+ A
A -
قَدْ تُعْطِيكَ الحياةُ ما تَبْخل به على غيركَ، ليس لأنكَ تَستحِقُّ ما لا يَستحِقُّه الآخَرون، وإنما لأن اللهَ يُريدُ اختبارَكَ مِن خلال ما يَنعم به عليك مما تَطيبُ به الحياة.
في أكثر الأوقات ترانا نَنشغل عن الناس بدُنياهم، نَهيم عُمْياً باحثين عن جنة الْمَلَذَّات، وتلك كلما زحفْنَا إليها زَحْفاً بَدَتْ أبعَدَ مِن هَدْب العين، فكُلَّما تَدانَيْنا تَناءَيْنا.
نُمَنِّي نُفوسَنا بالجنة، على الأرض، فيَسيلُ لها اللعابُ وتتسارعُ الأنفاس، ولا نُكَلِّفُ نُفوسَنا، لا نُكَلِّف نُفوسَنا عناءَ الإحساس بجحيم على الأرض تُشْوَى فيه قُلوبُ الفقراء شَيّاً.
حين يَرزقكَ مولاكَ مِن فضله يَعود لِيَسْأَلَكَ عمَّا جَنَيْتَ بِه.. فهَلْ فَتَحْتَ به نافذة للتواقين إلى دفء الرغيف؟! أولئك المساكين يُضمِرون حُزنَهم الدفين، أولئك هم الذين يَرضون بالقليل القليل، ويَقنعون بِأَقَلِّ شيء، بينما تَتَجَبَّرُ أنتَ، أنتَ الذي تَملِكُ كُلَّ شيء.
لا تَسْمَحْ لِضَميركَ النائم بأن يَتَمَدَّدَ عارياً في صحراء الإنسانية، وإن لم يُسْعِفْكَ العمل خَالِصاً لِوَجْه الله كَفَتْكَ النِّية.
لا تُغِلِقْ بابَكَ في وجه مَنْ يَطرق، ولا تَترُكْهُ يَطرق ويَطرق.. لَبِّ نِداءَ مَن يَحتاجُكَ حتى لا يُغلِقَ الله في وجهِكَ بابا، وارْحَمْ مُكابَداتِ مَنْ أَشْعَلَتْهُم الحياةُ عذاباً.
وأنتَ تُشَجِّعُ محروماً على عملِ ما لا تَزهَد أنتَ فيه، ولو من باب تنظيف الحديقة أو غسل السيارة، فإنكَ تَفتح له باباً للرزق دون أن تُمَرِّغَ كرامتَه في أرض قسوتِكَ أو تَجرح كبرياءَه أو تَتَكَبَّرَ عليه..
وأنتِ تَمُدِّينَ حَبْلَ المساعَدة لامرأةٍ سرق منها الزمن وَرْدَ العُمْر وجَفَّفَ عينيها حُزْناً على سوء حالها، لا تُجَرِّبِي أن تُلْقي بقطعة نقدية أو أكثر في حضنها وإنما رَتِّبي لها مَوْعِداً مُنْتَظِماً لأداءِ عملٍ بسيط في بيتكِ، سَتَشْعُرُ هي بأنها ذات فائدة ويُرجى منها النفعُ وأنها تَكسب مالَها مِن عمل حلال، وستَشْعُرِينَ أنتِ بالفخر لِأَنَّكِ فَتَحْتِ لها بابَ رِزْقٍ دون أن تُهينيها أو تُبالغي في إِذْلالِها..
شَيْءٌ مِنَ الْمَنّ يَقتُلُ الصَّدَقةَ، وسَعْيُكَ في طلب العِفَّةِ والكرامة والكسب الحلال لأخيكَ مع التزامِكَ الصمتَ أقصى ما يَتَمَنَّاه طالبُ الأجر في الآخِرة. أَمَّا مَنْ يُصَوِّرُ له عقلُه أنه يَفوز في الدارَيْن بكثره مَنِّه على مَنْ تَصَدَّقَ عليه بطريقة تُؤْذِيه مِن شِدَّة حديثه للناس عن صنعِه، فهو واهِمٌ كُلّ الوهم.
بادِرْ بالطَّيِّب قبل أن تُغادِرَ دارَ السيئة، ولا تَجْعَل الواقفين عند باب الرزق يَنْتَظِرُون كثيراً.. والْحَذَرَ، الْحَذَرَ مِنْ أنْ يُسَوِّلَ لكَ شيطانُكَ بأنَّكَ خاسِر، فكُلَّمَا أَنْفَقْتَ نَقْداً أَغْنَاكَ اللهُ بِضِعْفِهِ وَأَكْثَر.
نافِذَةُ الرُّوح:
- «بَيْنَ السُّورِ والجُسُورِ مَسافَةُ هَدْمٍ وبِنَاء».
- «نَادِنِي يا صَوتي الضائع مِنْ حقيبةِ الْمَواقِف، أَمَا مِنْ طَرِيق يُعِيدُني إِلَيَّ؟!».
- «تَقولُ النجمةُ لِلقمر: سَأُسَمِّيني الضَّوْءَ، وأُسَمِّيكَ الْمِرْآة، وأُسَمِّي السماءَ مسافةَ انفِلات».
- «مُدَّ عَيْنَيْكَ لِتَراني كما أراكَ قبل أن تُطْفِئَ شمسَ الحقيقةِ وأنتَ تُكَلِّفُ العُمْيَ بِرَسْمِ حدودي».
- «فَصْلُ الصمتِ أَصْدَقُ بابٍ في كِتَابٍ يُسَمَّى العَذاب».
- «لَنْ أُنوِّهَ بِحَظِّي مِنَ النجاح، فَقَدْ كَشَفَ لي السُّقوطُ ما يَكْفِي مِنْ وُجُوهٍ أَضْمَرَت الأقنعةُ سَوادَها».
- «بِعْ لي نَفْسَكَ يا شَيطانَ الزمن لِأَصْلبَكَ على بابِ مغارةِ الحياة عَلَّ مَرَدَةَ الإِنس تَتَّعِظ فَتَصْرِف النظرَ عنْ وَجْهِكَ».

بقلم : د. سعاد درير
copy short url   نسخ
17/05/2018
3827