+ A
A -
- 1 -
على ذات قاطرة الرَّحيل، التي غادر بها زين العابدين بن علي، وزوجته ليلى الطرابلسي؛ يُغادر الآن نجيب رزَّاق وحرمه كانزة الذهب روسمة منصور، وقبلهم غادر الرئيس الروماني تشاوشيسكو ورفيقته إلينا، إلى مزبلة التاريخ. ليت مراكز البحوث والدِّراسات، تعكف على دراسة الأسباب التي أدَّت إلى أن يكون مهاتير مُحمَّد الذي تجاوز 90 عاماً بسنتين، هو خيار الشعب الماليزي لصناعة المُستقبل وتجاوز إحباطات الحاضر.
- 2 -

الماضي في الدُّول النامية، يحضر بكثافةٍ حينما يصبح الحاضر بالغَ السوء ومُهدِّداً للمُستقبل.
يحضر كخيارٍ بديلٍ في الحالة الماليزية، وكشوقٍ وحنينٍ (نوستالجيا)، في تجارب دولٍ أخرى.
الشعوب في الدول النامية، حينما يشتدُّ بها الضيق، وتقسو عليها وطأة الحاضر، لا تنظر إلى الأمام، بل تستدعي الماضي بكُلِّ إشراقاته، لمُواجهة الحاضر بكُلِّ إحباطاته.

- 3 -

مهاتير، كان هو الخيار، حينما أصبح رئيس وزراء ماليزيا نجيب عبد الرزاق هو البلاء ونموذج الفساد.
الفساد العاري من كُلِّ مُحاولات التستُّر والتخفِّي، تُعلن عنه أرقام الحسابات وأوراق التحويلات من الحسابات العامة للحساب الخاص.
الفساد الذي ينهش مال الشعوب وثرواتها، دون إحساسٍ بالذنب، ولا شعورٍ بالمسؤولية، ولا وخزِ الضمير.

- 4 -

استفاد التَّحالف المُعارِض من فضيحة تتردَّد أصداؤها في الرِّيف الماليزي.
وتدور الفضيحة حول صندوق التنمية الاستراتيجية، الذي أسَّسه نجيب عقب تولِّيه السلطة في عام 2009.
وقد أثارت تعاملات الصندوق، التي اكتنفها الغموض عبر شركات واجهة وشركاء في الشرق الأوسط، ورُفعت تقارير إعلامية أجنبية الستار عنها؛ حيرة الرأي العام على مدار العامين الأخيرين.
بوثائق لا تقبل الإنكار، كشفت الصحافة أن 700 مليون دولار، أُودِعَتْ في حساب نجيب المصرفي، قبل انتخابات 2013، و4 مليارات دولار هي الآن قيد المجهول.
استخدم نجيب كُلَّ آلياته القانونية والإعلامية، لنفي التهمة عن نفسه وتنظيف ثيابه.

- 5 -

جهاز الدولة الذي أرساه مهاتير مُحمَّد، كان يقظاً يُتابع ويُراقب رغم مُحاولات التشويش التي تقوم بها أجهزة الإعلام الحكومية والتَّضليل الذي مارسه النائب العام.
والشعب الذي أيَّد مهاتير في اثنين وعشرين عاماً ما زال يملك إرادةً وقُوَّة المُقاومة لكُلِّ ما يُشوِّه صورة ماليزيا الزاهية.
لذلك كان من المُستحيل أن تحدث التجاوزات السَّافرة، التي ارتكبها رئيس الوزراء السابق دون أن يكون هناك عقاب.

- 6 -

العقاب لا يأتي من بوَّابة الانقلابات العسكرية، ولا يأتي بمُحاولة اغتيال أو مُغامرة عسكرية أو ثورة فوضوية عارمة، لكنَّه يأتي عبر صناديق الاقتراع.
عقاب على الذين لم يراعوا في الشعب إلَّا ولا ذمَّة، عقاب من أجل أن تعود ماليزيا إلى الواجهة المُشرِقة للعالم، فهي مع مهاتير كانت تُمثِّل أروع التجارب في جنوب شرق آسيا.
فقد استطاع مهاتير أن يُنقذ الدَّولة من براثن الفشل والتخلف والفقر والحروب.
وها هو يأتي مرَّة أُخرى لينقذها من براثن الفساد. الفساد الذي تفشَّى في دولة ماليزيا، بنهب وتحويل ملايين الدولارات للخارج عبر الحسابات الخاصة.
وعن أسباب عودته للسياسة، قال مهاتير مُحمَّد، إنه «شعر أن من واجبه أن يتصدَّى للفساد الذي انتشر في ماليزيا». كما أقرَّ مهاتير بأنه أساء لنائبه السابق ولزعيم المعارضة القابع في السجن أنور إبراهيم، وإنه نادم على ذلك، وطلب منه العفو.
وقبل إبراهيم اعتذار مهاتير محمد، فكان الانتصار الانتخابي تتويجا لتلك المصالحة التاريخية التي لا تخلو من البراغماتية.

-أخيراً-

أهمُّ درس في الانتخابات الماليزية الأخيرة، مهما كان مستوى الرخاء الاقتصادي، فالشعوب لا تغفر لحاكميها أكلهم أموالها بالباطل، وهي في ذلك سريعة العقاب.
بقلم : ضياء الدين بلال
copy short url   نسخ
20/05/2018
3061