+ A
A -
منذ نحو ثلاثة وعشرين عاما، وبالتحديد عام 1995 اعترف الكونغرس الأميركى بالقدس عاصمة لإسرائيل. لكن الرؤساء الأميركيون المتعاقبون بدءا من بيل كلينتون، الذي صدر قرار الكونغرس في رئاسته الأولى، مرورا بجورج بوش، وانتهاءً بباراك أوباما، جميعهم وبداعي «المصلحة القومية الأميركية» جمدوا تنفيذ قرار الكونغرس.
إذن، فالذي سمح لترامب باتخاذ مثل هذه الخطوة التي لم يقدم عليها أي من أسلافه، ليس متغيرا أميركيا، بقدر ما هو متغير عربي، وحالة عربية بعثت لسيد البيت الأبيض برسالة منذ يوم إعلان نتائج الانتخاب الرئاسية الأميركية وقبل دخوله إلى المكتب البيضاوي، تقول إن لا تكلفة أو ثمن تدفعه واشنطن من جانب الدول العربية والإسلامية. وإن الشعوب التي يمكن أن تضغط لاتخاذ مواقف مناهضة، ولو شكلية، ترزح تحت استبداد عنيف، والإعلام كله في قبضة سلطات تتمرغ في أحضان واشنطن. سلطات هدفها الرئيسي والوحيد، هو الرضا الأميركي، الذي تعد تل أبيب بوابته الكبيرة، ومفتاحه الرئيسي.
أول من استوعب الرسالة، هو الشعب الفلسطيني، الذي أدرك على سبيل اليقين، أن الدم هو السبيل الوحيد لوقف نزيف الأرض والكرامة.
ورغم قساوته وألمه.. فالدم دوما أقوى من المؤامرات، واللقاءات الحميمية العلنية والسرية والارتماء في الأحضان الإسرائيلية.
ورغم وجعه، فالدم دوما أصدق أنباءً من تلك الهرتلات، التي يطلقها المتخاذلون لتبرير تخاذلهم، متهمين الفلسطينيين القابعين تحت الاحتلال، بأنهم تخلوا عن أرضهم.
للأرض أصحاب لهم الكلمة الأولى والأخيرة بشأنها، وفي كل مرة، يؤكد أصحاب الأرض أنهم مستعدون للتضحية بدمائهم من أجلها، وأنهم مستمسكون بها، ملتصقون بترابها.
الدم أيضا بكل تأكيد، أصدق أنباءً من ادعاءات الإنسانية، التي يطلقها أولئك الذين ينتفضون لحقوق الحيوان، ولا يحركون ساكنا، حيال ذلك الدم الغزير الذي ينزف برصاص قوات احتلال غير شرعي لقتل أصحاب الأرض وملاكها.
في كل مناسبة يصر الفلسطينيون في الأراضي المحتلة، على تلقين الجميع درسا جديدا، بأن الأوطان لا تباع. ليس عبر كلمات جوفاء أو شعارات لا تسمن ولا تغني من جوع، وإنما عبر أنصع صور الدروس وأصدقها.. إنها دروس النضال بالدم، الذي لا يمكن ولا يجوز لأحد أن يشكك في صدقه.. وأيضا في قدرته على قلب المعادلات.
بقلم : محمود عيسى
copy short url   نسخ
20/05/2018
2120