+ A
A -
(1)
ومضى عامٌ على جريمة قرصنة وكالة الأنباء القطرية (قنا)، مضى عامٌ على سيناريو التحريض على ارتكاب الجرائم الإلكترونيّة الذي يعتبر جريمة نكراء يعاقب عليها القانون الدولي، فما بالك لو أنّ الجريمة يتم تنفيذها في بيت الشقيق والأخ والجار وبمباركة وإصرار وترصد، إن هذه الجريمة خرقت كافة ركائز الإطار القانوني الاسترشادي للتعاملات الحكومية الإلكترونية بدول مجلس التعاون لدول الخليج العربية والتي تنص ركائزها على: الاتصالات الإلكترونية، المعاملات الإلكترونية والتوقيعات الإلكترونية، حماية البيانات والخصوصية (الخصوصية الإلكترونية)، الجرائم الإلكترونية، حماية الملكية الفكرية، المحتوى الإلكتروني، نظام الدفع الإلكتروني، حماية المستهلك- المستفيد، الإنترنت وحوكمة تكنولوجيا المعلومات، إذن فنحن أمام جريمة دوليَّة يُعاقب عليها القانون الدولي كونها اختراقٌ للاتفاقيات الجماعية التي تربطُ بين الأمم المتحدة وجامعة الدول العربية ومُنظَّمَة التعاون الإسلامي وغيرها من الجهات الدوليَّة ذات العلاقة، كما أنها جريمة نكث وخيانة خليجية للاتفاقيات الجماعية والثنائيَّة التي تربط بين دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية، والأمر حاليًا مفوض إلى الجهات القضائية لتبت في الأمر سواء في القضاء القطري الذي تحرك منذ اللحظات الأولى للاختراق من خلال التحقيقات التي أجرتها النيابة العامة في دولة قطر بشأن هذه الجريمة التي ما زال التحقيق فيها جاريًا، كما أن الجريمة ستأخذ نصيبها المستحق من قبل الجهات الدولية المختصة بجرائم الإرهاب الإلكتروني.
(2)
إنَّ دولة الإمارات العربيَّة المتحدة الشقيقة؛ مارست نوعًا من أنواع الإرهاب الأخضر (الإرهاب المعلوماتي) والذي يُعَدّ من أخطر ما يمكن أن تواجهُه أي دولة في العالم، ففي العادة الفئة المدبِّرة لهذا النوع من الإرهاب تقوم بتنفيذ خططها التنفيذية دون أي تكلفة ولا حتى تتكبد أي مواجهة حقيقية ونزيهة في ميدان الحرب الجادّة، وإنَّ هذا النوع من أنواع الإرهاب المعلوماتي يندرج تحت مظلة استهداف نظم الاتصالات، حيثُ إنَّ منصة وكالة الأنباء القطرية تُعتبر منصةً اتصالية جماهيرية رسمية في الدولة، كان الهدف من اختراقها إحداث خلل كبير وتمزيق أساسي في آليات سريان الاتصال الإعلامي الرسمي في قطر، ونشر حالة من الرُعب والفوضى العارمة، التي لم تتحقق بأمر الله تعالى، ويجدُر بي الإشارة إلى أنَّ مجلس التعاون الخليجي بكونه منظمةً إقليميةً سياسية واقتصادية عربية؛ كانَ قد وقّع على عددٍ من المعاهدات والمواثيق التي تُلزم أعضاء المجلس على حماية أمن الدول الأعضاء وردع أيِّ عدوانٍ عسكريٍ وإلكترونيٍ تتعرّض لهُ، وكان آخر هذه المعاهدات المرتبطة بالأمن السيبراني للمجلس هي وثيقـة الريـاض لمكافحة جرائم تقنية المعلومات والتي لم تلتزم بها الإمارات بتورطها في هذه الجريمة الإلكترونية الشنعاء.
(3)
إنَّ من رحمة الله الواسعة أن جعل للإنسان مواسم تذكره بهدف وجوده وتعيد رسم أولوياته واهتماماته، وشهر رمضان هو أحد تلك المواسم التي يكون فيها الإنسان على موعد لإعادة بناء شخصيته التي قد رسمها وهو بعيد غافل عن الله سبحانه وتعالى، وهو على موعد لإعادة النظر والتأمل في سلم أولوياته واهتماماته، فهذا الشهر المبارك يدعو الإنسان ليسأل نفسه: هل يا ترى أن اهتماماتي هي اهتمامات حقيقية؟ أم أنها لا تعدو أن تكون مجموعة من الأمور الهامشية والعبثية أو على أقل تقدير ثانوية وفرعية؟ وماذا عن برنامجي اليومي؟ هل هو مليء بما يبني الشخصية وينميها أو بما يهدمها ويكسرها؟ هذه الأسئلة يجب على الإنسان أن يطرحها على نفسه باستمرار وعليه أن يجيب عليها بكل صدق لأنه هو المتضرر الأول من عدم الصدق مع النفس، ثم إن على الإنسان أن يتحلى بالشجاعة الكافية ليعترف بخطئه إن كان مخطئاً وليغير من واقعه.
(4)
أحن في كل رمضان إلى المرحوم بإذن الله تعالى؛ والدي الذي رحَلَ عن الدنيا منذُ ثلاثة أعوامٍ ونيِّف، هذا الرجل الذي تعلمت منه الكثير وما زلت أستظل باسمه شامخة معتزة بجميل أثره الرائع علينا جميعًا وعليَّ بشكلٍ خاص، صورة المرأة الجادة المثابرة التي سعيت أن أكونها لنفسي على مدار سنوات، كان والدي رحمهُ الله قد شكلها لي ومهدها لي بطيبته وبحكمته وثقافته العميقة، أحنُّ إلى أيام ذهبت كانت جميلة به، أحنّ إلى رمضان وأبي بجوارنا يقرأ علينا دومًا من بستان ثقافته العميق الكثير من الأخبار والقصص والشواهد، أكاد لا أذكرهُ إلا وبيده كتاب من الوزن الثقيل يقرؤهُ ويخطط فيه آناء الليل والنهار، رحمهُ الله ورحم موتانا وجميع وموتى المسلمين وجمعنا بهم في جنات النعيم.
(5)
أقضي ليالي رمضان بين العمل والمنزل، بين الكتابة والعبادة، ولأني طيلة أيام العام أقضي اليوم بالكامل في جامعة قطر بسبب التزاماتي العملية والبحثية، فإني أجد هذه الليالي القصيرة متنفسًا حقيقيًا؛ حيثُ تعيدني إلى حالة الاستقرار والسكون في المنزل، وفي هذا الشهر بالذات تنتابني الرغبة في قراءة كتبِ التراث الإسلامي، حيثُ فرغت مؤخرا من قراءة مقدمة ابن خلدون الشهيرة، وكتاب (المنقذ من الضلال) للإمام الغزالي، وحاليًا عاقدة النية للشروع في قراءة كتاب (نقد العقل العربي) للجابري الذي يُعد من الوجبات الفكرية الدسمة جدًا والتي تحتاجُ إلى صفاء ذهن وتركيز عال، وأتمنى أن أفرغ منه قريبًا في هذا الشهر المبارك الكريم في كل شيء.
(6)
لست من المتابعين لماراثون المسلسلات والبرامج الرمضانية، لكني من المهتمين بها، وأقصد بالاهتمام هو رغبتي في معرفة ما يتمّ تناوله من مضامين في هذا الشهر الذي يعتبر الشهر الوحيد الذي يقصد فيه المنتجون والمخرجون تقديم أعمالهم الفنية والدرامية المختلفة لتحقيق مآربهم في البيع والتسلية الغارقة وغيرها من المقاصد الترويجية والتغييبية لأمة كُبرى يسهل سرقتها إعلاميًا وتنويمها في الإغراق المعلوماتي في وسائل التواصل الاجتماعي النشيطة. وفي الحقيقة أبتغي من هذا الاهتمام نقد وتقييم المنتجات الإعلامية المعروضة في هذا التقييم، حيث أميل في كتاباتي الإعلامية إلى نقد البرامج والمواد الإعلامية المعروضة في إعلامنا بشكلٍ دوري. ومن أبرز الملاحظات المتكررة عامًا بعد عام؛ تلك المضامين التي تتعرض لدعاتنا بشيءٍ واضح ومبطن من الاستهزاء والسخرية، فطالما تعرضنا لأشكال متنوعة من هذا الاستهزاء «ونحن لا ندري» في المسلسلات والمسرحيات والقفزات السريعة في البرامج الحوارية التي تنال من صورة الإنسان المسلم المتدين والملتزم، وكنا لا ندري من أيٍ منا يستهزئ هذا أو ذاك، كنا نضحك «فحسب» لكن هناك سموما كانت تندس تحت جلودنا ونحن لا ندري، إن أكوام المواد الإعلامية التي أحاطتنا عبر سنوات تشكيلنا الأولى حتى الآن شكلت صورة معينة للداعية وقد تقبلنا مع الأيام أن نشاهد مشهدا للممثل «س» يقلد فيه المطوع أو المأذون على سبيل المثال، فتجدهُ يُظهره على أنَّهُ رجلُ ساذج غير متحضر إلخ، وهذا فقط للتوعية أننا منذ زمن بعيد يتم الاستهزاء بنا وبدعاتنا من حيث ندري ومن حيث لا ندري، ولله الحمد فقد وفقت أمتنا في العقود الأخيرة أن نشأ بها جيل من الدعاة المعاصرين ركزوا في خطابهم الديني على الحوار والوسطية والاعتدال وقد نشأ لدينا من جديد نوع من الصحوة الإسلامية في زمن تعددت فيه مصادر الفتن، وإن كان هذا الاستهزاء «الشنيع» لهؤلاء المشايخ عبر الزمن قد نبهنا إلى شيء؛ فالأولى أن ينبهنا إلى ألا نتهاون من اليوم فصاعدًا عن كل مضمون ساخر لصورة المسلم «داعية، إمام، فرد، مأذون وغيره» وأن نقف وقفة جادة لكل من يلوح بذلك مجددا؛ من قريب كانَ أو من بعيد.
(7)
اللهــم يا ربَ شهر العلياءِ والترقي، تقبل منا الصيـام والقيـام وقراءة القـرآن، واجعل قلوبنا تخشع من تقــــــواك، واجعل عيوننا تدمع من خشيتك، واجعلنا يا رب من أهل التقوى وأهل المغفـــرة، وكل عام وأنتم جميعا بألف ألف خير.

بقلم:خولة مرتضوي
copy short url   نسخ
25/05/2018
2670