+ A
A -
منذ انفصالها عن الهند البريطانية وباكستان تنتقل من أزمة داخلية إلى أخرى.
ولعل حرب البنغال وتداعياتها كانت أم أزماتها، لأنها أسفرت عن هزيمة مرة لجيشها، وفقدانها لكامل جناحها الشرقي، ناهيك عن زعزعة المبدأ الذي قامت عليه باكستان وهو تمثيلها لكافة مسلمي شبه القارة الهندية.
اليوم تلوح في سماء باكستان أزمتان جديدتان، أولاهما تتعلق برئيس الوزراء السابق نواز شريف المقال من منصبه بحكم قضائي في العام الماضي بتهمة الفساد، فيما ألمح هو وعائلته إلى مؤامرة من العسكر لإقصائه بسبب تنامي شعبيته.
شريف أدلى مؤخرا بتصريح لصحيفة «دون» المحلية قال فيه ما معناه إنه كان يجب معاقبة مخططي الهجمات الإرهابية ضد الهند سنة 2008.
هذه الدعوة أغضبت، بطبيعة الحال، جنرالات الجيش المتنفذين الذين سبق لهم التدخل لإيقاف محاكمة أولئك الإرهابيين. وقد تمثل غضبهم في تحريك الموالين لهم من ساسة ورجال إعلام لاتهام شريف بالخيانة العظمى. وهذه التهمة عقوبتها الإعدام بموجب المادة السادسة من دستور البلاد، وهي نفس العقوبة التي تخلص بها الديكتاتور ضياء الحق من رئيس الوزراء المدني الأسبق «ذوالفقار علي بوتو» سنة 1979. فهل يا ترى يسعى الجيش مجددا إلى التخلص من سياسي مدني بارز كشريف مثلما تخلص من بوتو، وبنفس الوسيلة؟
أما الأزمة الأخرى فتكاد تكون مشابهة لأزمة بنغاليي باكستان الذين انتفضوا ضد الظلم والتمييز الذي مارسه قادة باكستان الغربية عليهم، والذي بلغ ذروته في عدم تمكين الفائز في انتخابات سنة 1970 بالأغلبية المطلقة، وهو الزعيم البنغالي الشيخ مجيب الرحمن، من قيادة البلاد.
ففي مايو المنصرم نشرت صحيفة «واشنطون بوست» تقريرا حول ميلاد حركة جديدة في باكستان تحت اسم «حركة حماية البشتون»، هدفها تحدي جنرالات الجيش الباكستاني الذين- بحسب الحركة- غير مكترثين بأحوال الملايين من بشتون باكستان ويمارسون التمييز ضدهم، بل يسعون إلى شيطنتهم وتشويه سمعتهم والطعن في وطنيتهم عبر الادعاء بأن حركتهم مؤامرة أجنبية تقف وراءها قوى أجنبية ساعية لتفتيت البلاد. والحقيقة أن حراك بشتون باكستان، ليس وليد اليوم، لكن تصعيدهم وانتفاضتهم الأخيرة ضد الجيش الباكستاني جاء في أعقاب مقتل قيادي بشتوني شاب على يد أحد كبار مسؤولي الشرطة في كراتشي في فبراير الماضي. هذا الحدث أطلق الشرارة لهم كي يعتصموا ويضغطوا باتجاه تحقيق بعض المطالب التي راحت تتزايد يوما بعد يوم. فمن المطالبة بمحاكمة قاتل القيادي البشتوني، إلى التحقيق في قضية اختفاء نحو 30 ألف بشتوني في ظروف غامضة، إلى إزالة حواجز الجيش في المناطق البشتونية وتطهيرها من الألغام، فإلى المطالبة بوقف المداهمات والاعتقالات التعسفية، وصولا إلى مطالبات بالانفصال عن الكيان الباكستاني.
ولتخفيف حدة التوتر، وافقت السلطات على بعض مطالبهم، لكنها لم تنفذ منها شيئا يذكر، الأمر الذي عاودوا معه مظاهراتهم واعتصاماتهم وشحذ التأييد لقضيتهم من الداخل والخارج. ويبدو أن الكيل قد فاض بهم، فعمدوا إلى تنظيم أنفسهم في «حركة حماية البشتون» آنفة الذكر، والتي ينظر لها عسكر باكستان بنفس العين المتوجسة التي نظروا بها لحزب عوامي الذي قاد حركة انفصال باكستان الشرقية، بدليل أن قائد الجيش الباكستاني الجنرال «قمر جاويد باجوه» اتهم قادة الحراك البشتوني الجديد بالعبث بأمن البلاد وهددهم، فما لبثت السلطات الرسمية أن سجلت دعاوى قضائية ضدهم بتهمة خيانة الوطن. والمأمول أن يستوعب قادة باكستان وجيشها الحاليون ما ارتكبه رئيس البلاد وقائد الجيش الأسبق الجنرال يحيى خان من حماقة في تعامله مع البنغاليين المنتفضين، فكانت النتيجة كارثية. وبعبارة أخرى، عليهم ألا يكرروا ذلك المشهد السبعيني في تعاملهم مع المنتفضين البشتون، رفقا ببلدهم، وتفاديا لتفتيته مجددا.

بقلم : د. عبدالله المدني
copy short url   نسخ
27/05/2018
2212