+ A
A -
عام على جريمة قرصنة موقع وكالة الأنباء القطرية تتكشف الحقائق يوماً بعد يوم، حيث أصبحت الرؤية واضحة وفطنت وسائل الإعلام الأجنبية قبل العربية إلى الجريمة وأبعادها وخفاياها.. بفضل من الله ومنة بات معروفاً لدى العالم أجمع بأن وكالة الأنباء القطرية قد تعرضت للقرصنة من قبل أجهزة الاستخبارات الإماراتية، وأن النصوص المنشورة على الإنترنت كانت مزيفة.. وكلنا نعلم أن القرصنة كانت مجرد ذريعة للمشاركة في الحصار ضد قطر، وأن توقيت وتسلسل الأحداث لا يترك مجالاً للشك في أصل وهدف المناورة.. حيث إنه في نفس يوم القرصنة، عُقد في الولايات المتحدة اجتماع بين جماعات الضغط والصحفيين الذين كتبوا فيما بعد أكثر من 12 مقالة ضد قطر.. وفي الدقائق التي تلت بث الأخبار المزيفة، قامت العربية وسكاي نيوز أبو ظبي بتحيين برامجها لوضع الأخبار المزعومة عن قطر في مقدمة أخبارها.. وبحلول منتصف الليل، كان المراسلون جاهزين، والضيوف على استعداد في الاستوديوهات حتى أن البعض حضر قبل ساعتين من الحدث ولم يُعط أي مجال إعلامي للنفي الصادر عن قطر.. وكانت التعليقات والعناوين موجهة ضد الدوحة وسياستها، وتم التركيز على تقارب قطر مع إيران بشكل خاص، بسبب فرط الحساسية السعودية في هذا السجل.. ومما لا شك فيه أن الإعلام السعودي والإماراتي قام بتكرار الأخبار الموجهة ضد قطر.. حيث عملت كل من قناة العربية وسكاي نيوز أبوظبي بالتعبئة وحرصوا على تنسيق برامجهم زمنياً لزيادة التأثير وإثارة الجدل على الشبكات الاجتماعية.. وتصديق الكذبة من قبل الرأي العام.. كذلك فإن انتشار هذه القصة المزيفة التي تهدف إلى عزل قطر تماماً، حيث جاء بعد أيام قليلة من زيارة دونالد ترامب للرياض، مما يمكننا من تفسير وشرح الأهداف لهذه الحملة الموجهة، سيما أن رحلة الرئيس الأميركي سبقتها بالفعل موجة جديدة من الهجمات ضد قطر، هذه الاتهامات الممنهجة التي صدرت في بعض وسائل الإعلام الأميركية، يتم إطلاقها والإشراف عليها عن طريق شبكات تعمل لصالح الإمارات التي يبدو أن نفورها من الدوحة تحول إلى هاجس.. وفي محاولة لتشويه سمعة الدوحة وتبييض صورتها في واشنطن دفعت أبو ظبي مؤخراً ملايين الدولارات لوكالات الأنباء وبعض قادة الرأي، ليس فقط بالولايات المتحدة الأميركية وإنما دول غربية عدة منها المملكة المتحدة أيضاً.. لم يقتصر قرار دول الحصار على قطع علاقاتها الدبلوماسية مع قطر وفرض حصار بري عليها وإغلاق مجالاتها الجوية والبحرية أمامها، وإنما امتد لمنع أي تواصل إنساني معها في واقعة فريدة ما سبقها بها أحد من عالم العرب رغم بؤسه.. أجبرت تلك الإجراءات المعلنة فجأة في الخامس من يونيو الماضي مواطني قطر على الخروج من الدول الخليجية الثلاث في غضون 14 يوماً.. ومنعت أي من مواطن قطري من الدخول، وقضت أحياناً بالتفريق بين المرء وزوجه والأم ووليدها، وذلك في قرارات تضرب بعرض الحائط جميع المبادئ والمعايير الحقوقية والإنسانية.. شتتت تلك القرارات شمل مئات الأسر، وانتهكت حق التنقل، والتعليم، والعمل، وحرية الرأي، والإقامة والتملك، إضافة إلى الحرمان من ممارسة الشعائر الدينية، والتحريض على العنف والكراهية، وانتهاك الحق في الصحة. ووفق آخر إحصاء للجنة الوطنية لحقوق الإنسان في دولة قطر، فقد تضرر من تلك الإجراءات بشكل مباشر أكثر من 13 ألفاً و314 شخصاً، وانتهكت حقوق أكثر من 2450 من مواطني الدول الخليجية الأربع.. قرار حصار دولة قطر- الذي اتخذته دول الحصار قراراً خطيراً في كامل أبعاده السياسية والأيديولوجية والاجتماعية، في سابقة خطيرة سجلتها دول المنطقة على نفسها، مما جعل الأزمة الخليجية تأخذ أبعاداً أعمق بكثير من كونها مجرد خلافات في وجهات النظر.. سيذكر التاريخ يوماً هذه الأفعال الصبيانية ضد قطر من دول للأسف تسمى شقيقة، مسلمة وعربية..!! قد لا نختلف كثيراً في أن كل الدول تناور في بعض المجالات التنافسية، وقد نعتبر ذلك أمراً صحياً، إذا نظرنا إلى بعض الأمثلة في دول الاتحاد الأوروبي، كالمنافسة الموجودة بين فرنسا وألمانيا مثلاً أو بين الدول الإسكندنافية.. إلا أن الأزمة الخليجية لا تندرج ضمن هذا الإطار، بل هي أزمة فكر سياسي لدى بعض الأنظمة العربية الخليجية التي اختارت إرادة قهر الشعوب على إرادة الحياة لشعوبها وأمنها.. في الآونة الأخيرة أصبح مجلس التعاون الخليجي غير قادر على استيعاب هذا الخلاف المتنامي بين دول المنطقة في الرؤية السياسية.. ولا بديل إذن لحل الأزمة إلا بالرجوع إلى طاولة الحوار، وهو الموقف الذي أكدته قيادتنا الحكيمة بشروط واقعية ومنطقية تأخذ بعين الاعتبار احترام سيادة الدول وسيادة قرارها.. وهذا الموقف يصب في صالح كل الأطراف بما فيها الطرف السعودي الذي وإن لم يبدِ اهتماماً بهذه الصيغة التوافقية لحل الأزمة؛ إلا أنه يبحث عن مخرج سياسي ودبلوماسي لهذه الأزمة بسبب قضايا الداخل السعودي وحرب اليمن.. ناهيكم عن سياسة إنفاق الأموال لتدمير الشعوب وتشويه سمعة بلدان شقيقة في مؤتمرات سخيفة صيغٌ سياسية بالية، ولم تعد قادرة على إقناع الغرب والرأي العام العربي.. إن المضي في اختلاق معارضين للسياسة القطرية وتأجيج دعاوى الإرهاب الفجة أصبح مدعاة للسخرية في كبريات دوائر صنع القرار السياسي في الغرب، وقد يفرض هذا على الغرب التدخل المباشر لحل أزمة الخليج إذا لم تنجح الوساطات المحلية، وذلك حفاظاً على التوازن الإقليمي وتدفق النفط بأسعار معقولة.. وأخيراً أقولها وبكل صراحة بأن الغاز الطبيعي المسال هو السبب الحقيقي وراء حصار قطر من قبل محور الرياض أبوظبي والقاهرة وجزيرة الريتويت، وليس الإرهاب كما ادعت هذه الدول، وغيرتهم وحسدهم بأن قطر أغنى دولة خليجية!! الحمدلله.. بفضل من الله وبفضل القيادة الرشيدة نجحت قيادتنا في إدارة الأزمة الخليجية بعقلانية واحترام للذات، للدرجة التي جعلت جميع من يعيش على هذه الأرض الطيبة سواء مواطنين أو مقيمين لا يشعرون الآن بأي تأثير للحصار على حياتهم اليومية.. وما جعل سمو الأمير أن يذكر شعبه والمقيمين ويشيد بهم في كل مناسبة سواء محلية أو دولية وإشادته بالمجتمع القطري الذي راعى أشقاءه في دول مجلس التعاون الخليجي، وأصول ومبادئ وأعراف الخلاف، مما أكسبه احترام العالم.. وبفضل من الله وتكامل الأدوار السياسية والاقتصادية والإعلامية والشعبية، قد أفلح في إفشال كل المخططات الماكرة وكسر شوكة الحصار وتعزيز سيادة واستقلالية دولة قطر، هذا الحصار الجائر احتضن في أعماقه خيراً كثيراً وبشريات عظيمة، وشكّل فرصة لإعادة اكتشاف إمكانيات المجتمع القطري المشبع بالإيمان والعزيمة والإرادة والأفكار والطموح، وهو نقطة انطلاق جديدة نحو العمل الدؤوب والإنتاج الوفير لتأمين الاحتياجات وبناء علاقات اقتصادية وتجارية أوسع من أي وقت مضى، والاستمرار في خطط التنمية ومشاريع رؤية قطر المستقبلية 2030.. ومن وجهة نظري الخاصة بأن أجمل ما كشفته الأزمة الراهنة هو ذلك التناغم والتلاحم والتعاضد بين الشعب والقيادة في مواجهة التحديات المفروضة والمساعي الرامية لكسر الإرادة وفرض الوصاية، وهي محاولات تحطمت على صخرة المواقف الصلبة والإبداعات التي كسرت الحصار خلال فترة وجيزة، وأكدت أن قطر ليست من الأهداف السهلة وستبقى شامخة حرة أبية.. يحق لنا أن نفتخر بأننا تجاوزنا ما سعوا له وما أرادوه لنا من محاولة إرباك وفوضى وأننا دولة مستقلة ذات سيادة وغير بحاجة لهم.. الحمدلله والشكر لله ثم وجود المخلصين مِن الدول الشقيقة التي وقفت مع قطر من بداية الأزمة وإلى وقتنا الحالي.. والتزمت بالتعهدات والاتفاقيات التي تثبت حنكة وحكمة ورؤية قيادتنا للظروف المستقبلية..
ويضرب الخليج أكبر أزمة سياسية منذ تدشين مجلس التعاون، حين فرضت السعودية والإمارات والبحرين، بالإضافة إلى مصر، في 5 يونيو 2017، حصاراً على بلدي «قطر» وأقدمت على إجراءات عقابية بدعوى دعمها للإرهاب، وأن الرباعي العربي يحاول فرض الوصاية على قرارها الوطني.. وقد لا يكون هذا كافياً بالنسبة لموقف دول الحصار الذي يبدو أنه مستعد للتضحية بمنظومة مجلس التعاون الخليجي، حتى ولو خسر التوازن الاستراتيجي لهذا المجلس؛ رغم وساطة الكويت.. يجدر بنا أن نهتم بالتركيبة السياسية لمجلس التعاون الخليجي الذي يمثل البرلمان المصغر لدول المنطقة، وتجتمع فيها عدة قواسم سياسية واجتماعية، فقد كان هذا الإطار الكونفدرالي إطاراً لتسوية النزاعات والاتفاق على استراتيجيات تجمع أطرافه على المتفق عليه وتترك الخلافات.. ولكن.!! وكما قال قائدنا وقدوتنا سمو الأمير في خطابه: «نحن بخير من دونكم»، وأعرج على ما صرح به فارس الحصار سعادة الشيخ محمد بن عبدالرحمن آل ثاني، نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الخارجية.. لقد نجحنا في إيصال رؤيتنا لحل الأزمة إلى كل دول العالم من خلال قنوات التواصل المختلفة، ونؤكد مجدداً استعدادنا الكامل لحوار شفاف قائم على الاحترام المتبادل للسيادة والالتزامات المشتركة، وسنظل متمسكين بهذا النهج رغم تعنت دول الحصار وتجاهلها التام لدعوات الحوار والجهود المبذولة من كافة الأطراف لإيجاد حل لهذه الأزمة يحفظ الحقوق والسيادة لكل دولة.
«الخلاصة» لقد أثبتت أزمة الخليج وحصار قطر أن صانع القرار القطري نجح في إدارة معركة الإصلاح، وفي تبني صحوة الشعوب العربية وقضاياها وفضح بمواقفه من حاصره.

بقلم: عبدالله غانم البنعلي المهندي
copy short url   نسخ
27/05/2018
6103