+ A
A -
بعـد صيام أيام من الشهـر الكريم، يبدأ بعـض الصائمين في الشكوى من أمراض جانبية تحـدث لهم كـردة فعـل مباشرة للامتناع عـن الطعام والشراب رغـم تمتعهم بصحة جيدة وقـدرة كبيرة عـلى الصيام، ولكـن تظل هـذه الأعـراض ملازمة لهم خلال هـذه الفـترة دون معـرفة السبب، فهل ترجع هـذه الأعـراض إلى عـوامل جسمانية أو لعوامل نفـسية بحتة.؟ ومن هـذه الأعـراض أو ردود الفعـل المباشرة التي يكـثر شيوعها خلال أيام شهر رمضان، ويشكو منها الرجل والمرأة والشباب أيضا، العـصبية وسرعة الإثارة المصاحـبة لـنهار الصيام، تنتهي بتناول الصائم طعامه وعـودته إلى حياته الطبيعـية.
ومما يثير الغـرابة أن هذه العـصبية تنتهي بانتهاء نهار الصيام وبمعـنى آخـر، فإنه لو كانت هـذه الأعـراض العـصبـية ناجـمة عـن حالة جسمانـية مرضية لظلت تلازم الصائم طوال شهـر الصيام وما بعـده، ولكن اقـتصرت العـصبـية والـتشنجات وضيق الصدر وعـدم الصبر وسرعـة الإثارة عـلى فـترة الصيام فـقط.. فلماذا إذن تصاحـب الصائم حالة عـصبية شديدة وظاهـرة تنتهي بانتهاء فـترة الصيام.؟!
أجاب عن هـذا التساؤل أحد أساتذة الأمراض النفـسية والعـصبـية فـقال: في الـواقع لـيس هـناك أي ارتباط بين الجـوع وبين توتر الجهاز العـصبي في هـذه الفـترة القصيرة وليس هـناك أي شلل عـضوي في أعـصاب الجسم، وإنما المسألة كلها سيكولوجية بحتة، إحساس أو إيحاء بأن الجوع قـد يؤدي إلى سرعـة الإثارة وإلى ضغـوط عـلى الأعـصاب من الناحية النفـسية، ولكن عـضويا لا يوجـد أي تأثير، ومن الأشياء الـتي يجهـلها الكـثيرون، أن هـذه الحالة من الانفعال الشديد والسريع ومن الإثارة وعـدم تحمل أي نوع من أنواع الضغـوط وأيضا سهـولة الاندفاع، ترجع في الأيام الأولى فـقط إلى إحساس الإنسان بحاجـته إلى الـشرب أكـثر من حاجـته إلى الطعام، فالعـطش في كثير من الحالات في البداية هـو الأساس في أن يثير كل أحاسيس ومشاعـر الإنسان ويسبب له الضيق والعـصبية دون أن يدري ومما لاشك فـيه أننا حـينما نعـود إلى تربـية الصيام وحكـمته في الإسلام، نستجمع فـيها معاني عـظيمة..
- أولاً: تربية الإرادة الإنسانية في السيطرة عـلى غـرائز النفس وشهواتها مما يعـتبر صورة حية يستفيد منها المسلم في أمور شتى ويخرج من هـذه الشحنة الرمضانية في تربية الإرادة إلى أوجه النشاط المختلفة في حياته على أشكالها وألوانها المتباينة، فإن تربية هذه الإرادة صورة كـريمة لعـزة الإنسان في سيطرته عـلى أموره..
-ـ النقطة الثانية: إحساس المسلم بمن يحسون بالحرمان في الحياة من حوله فـتذوق الحرمان بإرادة الإنسان يلفت نظره إلى حرمان الآخرين، وهي حكمة جليلة يفـوز بها من صيامه، وليت المسلمين وبالذات المرأة المسلمة، والأم المسلمة تدرك هـذا المعـنى وألا ّ تجعل من رمضان مجرد مائدة تقام في الليالي ويستغـرق النهار بأكمله في إعـدادها وما بين الإعـداد والاستغـراق في موائد الطعام في شتى ألوانه ليت الأم المسلمة تدرك حكمة الصيام وتبتعـد عـن هذا الـبذخ وأن تعطي لهذه الفـريضة حقها من العـبادة والاقـتراب من الله والاغـتسال من الذنوب بقـدر ما تحتمل النفـس ويتسع الوقـت، وليتها تجـد من الوقـت الكثير لهـذا الأمر العـظيم.
نرجـو للأسرة المسلمة الخـروج من رمضان بأعـظم رصيد في علاقة العـبد بربه، هـذا الشهـر الذي خصه الله لذاته حينما قال عـز من قائل: «كل عـمل بني آدم له إلا الصيام فهـو لي وأنا أجزي به»، فـتكريم الله سبحانه لهذا الفـرض واختصاصه له لأعـظم إكرام للفـريضة وللقائم بها، فـليت المسلم يدرك هـذا المغـزى ويخـرج من هـذا الشهـر بالرصيد الكبير بينه وبين خالقه سبحانه وتعالى.

بقلم : سلطان بن محمد
copy short url   نسخ
30/05/2018
2066