+ A
A -
فاجأ ملك الأردن الكثيرين عندما صافح الرئيس الإيراني حسن روحاني في القمة الإسلامية في اسطنبول التي انعقدت من اجل فلسطين.
وسر المفاجأة ان الملك نفسه كان اول من حذر من قيام الهلال الشيعي في المشرق العربي لتقسيمه والسيطرة عليه، فما الذي تغير حتى تراجع عبد الله الثاني عن موقفه السابق في وقت تهتز بلاده تحت وقع أزمة اقتصادية وسياسية صعبة؟
اعتاد الأردن على حل أزماته الداخلية بالاستناد إلى تحالفاته الخارجية بعدما شكل هذا البلد الصغير حجر الزاوية في استقرار الصراع العربي الإسرائيلي منذ توقيعه اتفاق وادي عربة عام 1994.
وتبعا لذلك جنى مساعدات دولية وخليجية مهمة جنبته شر الوقوع في اتون المشكلات والضغوطات المحلية. لكن الأمور تغيرت بعد وصول ترامب إلى البيت الابيض وكسره المحرمات الشرق اوسطية والمتمثلة خصوصا بقراره نقل السفارة الأميركية من تل ابيب إلى القدس، والحديث عن صفقة القرن على حساب حل عادل للقضية الفلسطينية يريح عمان، فالمس بالقدس وبحل الدولتين هو مس صريح بدور الأردن ومكانته لا بل هو تهديد صريح لوجود المملكة اصلا، وهذا ما لا يقبل به أي اردني فكيف بالجالس على العرش، ويصير الامر اصعب عندما يقابل حلفاء الأردن، لاسيما السعودية والإمارات ومصر، هذا التحول الأميركي إزاء فلسطين بالصمت المطبق، لا بل بقيام حلف جديد غير معلن قوامه الأميركي والإسرائيلي والسعودي عنوانه المعلن مواجهة التمدد الإيراني ومضمونه الفعلي رسم استراتيجية جديدة للشرق الاوسط، لا وجود فيها للاردن سوى على الورق.
حاول الملك ثني السلطات الجديدة للرياض ولاسيما ولي العهد محمد بن سلمان عن خططه الخاصة بفلسطين عندما زار المملكة في كانون الثاني الماضي، لكنه لم يفلح، زار الولايات المتحدة أربع مرات، حتى لا تنتهي الولاية الهاشمية على القدس، لكنه حصد الفشل ايضا، وعبّر عن غضبه من الخطوات الأميركية أثناء زيارة نائب الرئيس الأميركي عمّان، لكن واشنطن لم تطلب رأي الأردن. وهكذا صارت عمّان، عمليّاً، محشورة بين طرفي المقص الحادّ للطرفين الأميركي -الإسرائيلي ولمحور الرياض -أبو ظبي- القاهرة.
فمع كل اعتراض اردني عقاب من الحلف الجديد: احتجاز رجل الأعمال الأردني الفلسطيني صبيح المصري الذي يعد مصرفه (البنك العربي) أكبر شركة مالية في الأردن، ايقاف السعودية أكثر من 250 مليون دولار من المساعدات التي وعدت بها عدما رفض عبد الله الثاني دعوة ابن سلمان إلى عدم حضور القمة الإسلامية الشهر الماضي، فصل ثلاثة من أقارب الملك الأردني من الجيش، وسط شائعات عن اتصالات مع سعوديين.
وعندما عزا الملك عبد الله تفاقم الاوضاع المعيشية التي أدت إلى احتجاجات شعبية في شوارع الأردن إلى «اضطرابات إقليمية»، رد البعض ذلك إلى أوضاع العراق وسوريا الملتهبة، التي عرّضت اقتصاد الأردن لخسائر جسيمة ومصاعب كبيرة، منها سيطرة تنظيم «الدولة الإسلامية» على الحدود العراقية، وإغلاق المعابر الحدودية السورية، واستقبال مئات الآلاف من اللاجئين السوريين، واقتراب الميليشيات الموالية لإيران من حدوده، وخطط النظام السوري للهجوم على المناطق التي تسيطر عليها المعارضة.
لكن نجاح المؤسسة الملكية والحكومات الأردنية المتعاقبة، منذ بدء الثورات العربية، في منع لهيب الاحتجاجات من الامتداد إلى أراضيها، يشير إلى أن «الاضطرابات الإقليمية» لم تستطع كسر التوازنات الدقيقة بين العرش والحكومة والبرلمان والأحزاب والمواطنين، وهو ما يفترض، تاليا، ترجمة أخرى لكلمة «اضطرابات إقليمية»، فهي على الارجح تعني هذه المرة المواقف الخليجية الحادّة المستجدّة، التي تقود نحو ما لا يستطيع الأردن تحمّل أكلافه السياسية، وتاليا، فإن «رفع الغطاء» الخليجي، مضافا إليها اشتراطات «صندوق النقد الدولي»، وما نراه في الشارع الأردني الآن هو مجموع ضرب هذه الضغوط على رأس الحكومة الأردنية ومركز القرار فيها، وليس فقط على الشعب الأردني.
وهكذا قد تبشّر مصافحة اسطنبول بتغييرات جذرية تتحدى النظام الإقليمي، عبر دفع الأردن بعيدا عن محوره السابق، والاقتراب اكثر من إيران وتركيا. غير أن مثل هذه الاستراتيجيات لن تجعل المملكة أكثر تأثيرا، لكنها على الأقل محاولة لضمان البقاء، وهو الهدف الوحيد المهم، ولا سيما في ظل الاضطرابات الاجتماعية الأخيرة.
بقلم : أمين قمورية
copy short url   نسخ
08/06/2018
2001