+ A
A -
أكاديمي بجامعة السوربون - باريس
مصطلح «المجتمع الدولي» أو «المجموعة الدولية» هو واحد من أهم التعبيرات الوظيفية السارية في الخطاب الإعلامي العربي والعالمي. المصطلح يتميز رغم ضبابيّته وطابعه الفضفاض العائم والقابل للتعويم بأنه يحيل إلى سلطة دولية جامعة قادرة على تحقيق حد أدنى من السلم الاجتماعي دولياً وإقليمياً وقادرة أيضاً على التدخل لفض النزاعات والحد من الحروب وتطبيق المواثيق والأعراف الدولية وحماية الضعفاء من أنياب الكبار.
هذا المفهوم الذي رأى النور إثر الحرب العالمية الثانيةـ وبعد حجم المجازر والمذابح التي ذهبت بأكثر من ستين مليون نسمة في أقل من أربع سنوات- كان حاجة ملحة للحد من وحشية الصراعات والحروب التي يخوضها الإنسان ضد الإنسان بدافع الجشع والطمع وحب السيطرة والتسلط.
تجلى المصطلح أيضا في عدد من المؤسسات التي أصبحت تمثل الوجه القانوني والإداري للمجتمع الدولي بدء بمنظمة الأمم المتحدة وصولاً إلى مجموع المحاكم الدولية وكل القرارات والقوانين والمعاهدات الصادرة عن كل هذه المؤسسات.
لكن رغم كل المساحيق التي وضعت على هذه المقولة فإنها تحتاج اليوم إلى إعادة تقييم حقيقية بناء على العجز الكبير الذي ظهر على أدائها خلال العقود الأخيرة مع عودة الاستعمار المباشر للقوى العظمى وتدخلها العسكري المباشر في مجال الدول النامية أو الدول القابلة للتدخل.
ثورات الربيع العربي ومجموع المجازر التي فتحها النظام الاستبدادي العربي على شعبه كما هو الحال الأبرز في سوريا- حيث يتعرض شعب بكامله إلى حرب إبادة حقيقية بتحالف قوى إمبراطورية عظمى على مجاله الجغرافي وبتواطؤ كامل مع النظام الحاكم هناك- حققت نتيجتين.
تتمثل النتيجة الأولى في إمكانية الحكم على المجتمع الدولي ومجموع مؤسساته بالفشل الذريع في تحقيق الأهداف التي بعث من أجلها أي أن مؤسساته قد خانت الأمانة التي كلفت بها لحظة إنشائها في أعقاب الحرب العالمية الثانية.
هذا الفشل الذريع يتجلى اليوم ومنذ حرب الخليج الأولى وغزو العراق أميركياً في عجز المجتمع الدولي عن إيقاف الإجرام الاستعماري المتجدد على الشعوب والدول الضعيفة والغنية وبشكل خاص في المنطقة العربية.
أما النتيجة الثانية وهي الأخطر- حسب رأينا- فتتمثل في انكشاف تواطؤ المجتمع الدولي نفسه في عدد من الخروقات والجرائم التي كان من المفترض أن يسهر على مجابهتها والحد منها.
إن نجاح القوى المنتصرة بعد الحرب العالمية الثانية في فرض ما يسمى بالتوزيع الاستراتيجي العالمي الجديد هو الذي سمح باختراق المنظمات الدولية وتوجيهها لأغراض تختلف عن الشعارات التي تزين أدبياتها وشعاراتها البراقة.
بقلم : محمد هنيد
copy short url   نسخ
02/06/2016
1970