+ A
A -
تشهد مواقع التواصل العربية اليوم صداما عنيفا بين جمهور المغردين على تويتر خاصة وعلى فيسبوك وهو صدام يعكس في جزء كبير منه الصدام الحقيقي على أرض الواقع بين شكلين من أشكال الوعي. الصدام الأبرز محوره الوضع العربي الذي تلى ثورات الربيع والذي شطر الجمهور الواسع إلى قسمين كبيرين: القسم الأول فهو القسم المناصر للثورات ولمن ساندها ووقف معها ورفض الانقلاب عليها والقسم الثاني هو المعادي للثورات والراضي بواقع الاستبداد والمناصر للأنظمة القمعية التي تعبّر عنه.
ملاحظات أساسية لا بد من الإشارة إليها لفهم السياق العام لوظيفة مواقع التواصل اليوم:
أول هذه الملاحظات إنما تتمثل في تحول الشبكات الاجتماعية إلى قوة تأثير هام في المجتمعات العربية بعد الثورة التي عرفتها تقنيات التواصل وتقنيات الهواتف الذكية التي حولت العالم فعلا إلى قرية صغيرة. هذه الثورات التكنولوجية الاتصالية الموصولة جميعا بشبكة الانترنت أزاحت الحواجز بين الأفراد والمجموعات وألغت مقولة المكان بشكل أزاح القوة والمكانة التي كانت للإعلام القديم.
ثاني الملاحظات إنما تمثل في إدراك الحكومات العربية خاصة في المنوالات الاستبدادية لخطورة هذه المنصات التواصلية على أنظمتها وقدرتها على تهديد وعي الاستبداد وثقافته. بناء على ذلك جنّدت الدول العربية جيوشا إلكترونية كاملة العدّة والعتاد من أجل الاستحواذ على القدر الممكن من الفضاء الافتراضي والتحكم فيه. وشكلت ما صار يعرف اصطلاحا الذباب الالكتروني الذي يعمل على التأثير في مواقع التواصل ومستخدميه قدر الإمكان وبحسب رغبة النظام وتوجهاته.
الدرس اليوم هو أن مواقع التواصل وبرغم كل سلبياتها تمثل فرصة جديدة للمساهمة في بناء وعي عربي جديد على أنقاض وعي الاستبداد المتهالك. فمساحة الحرية التي يسمح بها الواقع الافتراضي لا تستطيع المنصات الإعلامية الكلاسيكية تقديمها وهي مساحة تتمدد يوما بعد يوم وصارت قوية التأثير لا تعترف بالحدود والحواجز. بل إن مواقع التواصل الاجتماعي صارت المعبّر الحقيقي عن مواقف الشعوب وتطلعاتها بعكس الإعلام الرسمي الذي لا يزال مقيدا بقيود الأنظمة ومشاريعها وإكراهاتها. فبعد الدور الكبير الذي لعبته منصات التواصل في ثورات الربيع أصبحت اليوم تشكل مرجعا إعلاميا فرديا وجماعيا على قدر كبير من الأهمية وهو ما يفسر الاختراق الكبير الذي أصبح يتهددها من قبل جيوش الأنظمة الالكترونية.
لن يكون تأثير العالم الافتراضي ملموسا على المدى القريب لكن لا شك أنه سيكون بالغ التأثير في تحرير الوعي العربي وطاقاته التعبيرية على المدى الطويل بشكل قد يُلغي تماما سطوة الإعلام القديم بشكل ينسف أهم أعمدة وعي الاستبداد العربي.
بقلم : محمد هنيد

بقلم : محمد هنيد
copy short url   نسخ
28/06/2018
2352