+ A
A -
إنَّهُ لم يتعرَّض دِينٌ سَماوِيٌّ أو وَضعِيّ أو حتى فلسفَة شرقيَّة أو إيدولوجيَة غربيَّة هَجينَة؛ لسَيلٍ حَادٍ مِنَ العَداء والكَراهِيَة والحِقد كمَا تعَرَّضَ لهُ الدِين الإسلامِي، ورُبما تزامَن ذلِك مع بِدايَة الدَعوَة الإسلاميَّة وبِطُرُق وأسالِيب ذلِك الزمَان، حيثُ كانَت الإشاعات المُغرِضَة والأحادِيث المجَالِسيَّة العَلَنِيَّة والخَفِيَّة، فِي صُدور المُشرِكِين والمُنافِقِين تَرسُمُ أبشَع صُورَة عَن دِين السَلام والإِنسانِيَّة العالَمِي، الإِسلام، وهكذا نشأ الإسلام في مَهدٍ لم يتقبَلهُ بتاتًا، إلا مَن رَحِمَ رَبِّي، مِمَن تكَشَّف عَلَيهِ حقيقَة الإســـــلام كَدِينٍ عَظِيمٍ مُتَسامِِ، مُكتشِفًا أنَّ هذا الدِين لا يَمُتُّ بأيَّ صِلَة لكُل الافتِراءات والخُزعبلات التي مُلأت بها الصُدَور والمجالِس.
إنَّ هذا السِيناريُو تواتَر على امتداد 1439 سنَة، حيثُ شَهِدَت هذِه السنوات الطَوِيلَة حملات أكثَر شراسَة وعداء مِن تِلك التي تزامنَت مع بداية طُلُوع الإسلام وأُفُول الشِرك والكُفر عَن الصُدُور النَيِّرَة، ورُبما كان السَبب في العَداء الغَربي المستَمِر فِي حِقبَة من الحقبَات التاريخِيَّة هو انعِدام المعرِفَة العمِيقة للإسلام، ففجرُ الإسلام لا تشرِقُ إلا في صدُور العارِفيِن، فليسَ يُوجِدُ أعبَدُ طرِيقٍ إلى التسلِيم بهذا الدِين العَظيم إلا مِن خِلال التعرُّف عَلَيهِ عَن قُرب ونَفِض كُل الغُبار عَن تلبِيس إبلِيس اللَعِين، فالعَصر الرَقمِي قَوَّض مَشَقَّة المَعرِفَة، ذلِك النُور الذي كَانَ غائِبًا عَن كَثِيرٍ مِنَ الأُمم السَالِفَة، فاليَوم تُقَدِّم المواقِع الإلكترُونِيَّة ومُحَركات البَحث المتوَفِرة في كُلِّ الخوادِم الإنتَرنِتِيَّة؛ معلُوماتٍ وافيَة عَنِ الإسلام، عَقِيدَةً، شَرِيعَة، فِكرًا وفَلسَفَة وعالَمِيَّة، والحَقِيقَة أنَّ شَكلَ العَداء للإسلام هذا تطوَّرَ مَعَ تَطَوُّر العِلاقَات الدُولِيَّة وتطوُّر وسائِل الإعلام، وأصبَحَ هذان العَاملَان المُساهِمَان في العدَاء، هما ذات العاملَين الأساسِيَين المُساهِمَين في تقديم الصُورة الصَحِيحَة للإسلام والمُسلِمين وتصحِيح الصُورَة المُضَلِلَة التي قَدَّمَها الغَرب بواسِطَة مُختَلَف آلاتِه السِياسِيَّة والإعلامِيَّة والاقتصادِيَّة، العَلَنِيَّة مِنها والدَسيسَة، حيثُ لن يتِم هذا التقدِيم الصَحِيح للإسلام المُتسامِي إلَا مِن خِلال جُهود أبناء الأُمَّة الأوفِياء الذين يذودون عَن دِينِهِم بكُل صِدق وجَدارة، فالأمرُ بِحاجَة لتَكثِيف الجُهُود الشَخصِيَّة والجماعِيَّة، المُؤسَسِيَّة والوطَنِيَّة، بحَيث تُصبِح الأُمَّة أجمع فِي طابُورٍ واحِد مُتَرَاصّ، وهّذا الأَمر مُمكِن مَعَ الاستِبصَار بأهميَّة ذلك وحَجم الضَرَر الواقِع على الأُمَّة وأبنائِها إن لَم يُتَخَذ موقِفٌ جماعِي للحَد مِن هذِه الفِتنَة العُظمَى، ووَعد إبلِيس الخائِن اللعِين.
إنَّ الإسلام واجَهَ خُصُوماتِ كَبِيرَة مِن مُختلَف الأطراف، حيثُ حُورِبَ فِي مُختَلَف وسائِل الإعلام التَقليديَّة مِن صُحُف ومَجلّات وتليفِزيُون وإذاعَة، إضافَةً إلى وسائِل الإعلام الجَديد، مِن مواقِع إلكترونِيَّة ومنصات اجتِماعِيَّة تَفاعُلِيَّة، إضافَةً إلى الكُتُب والأفلَام والمَناهِج التَعلِيميَّة الرُسُوم الكاريكاتِيريَّة والإعلانَات والدعايَات الغَربِيَّة المُوجَهَة، فأظهرَت هذِه الوسائِط والوسائِل المُسلِمِين فِي إحدى الصُور التالِيَة: مُلّاك آبار بترول ونِفط مُتصابِين، إرهابِيين وعُنصُرِيين ودَمَوِيِين، قاذفِي قنابِل مُفَخخَة، تُجّاراً جَشِعِين، كما أظهرَت الإسلَام عَلى أنَّهُ: دِينُ كّذِبٍ وتحرِيفٍ للحَقائِق، دِينُ سَيفٍ وعُنف، دِينُ تهالُكٍ عَلى الشهَواتِ والمَلَذّات، وكما هُو واضِحٌ وجَلِي أيُّها القارِئ الكَرِيم، فكُلُّ هَذِهِ أكاذِيب كُبرى وافتراءاتٌ عَظِيمَة قَدَّمَت تَفسِيراتٍ ومفاهِيم مَغلُوطَة لِما ورَدَ فِي المَرجِعِيَّة الإسلامِيَّة المُوجِهَة المُتَمَثِلَة فِي القُرآنِ الكَرِيم وعبَّرت عَنها بهذِهِ التَعبِيرات واهِمةً الجَماهِير فِي المعمُورَة أنَّ الإسلام والمُسلِمين مَحكُومِان بصِفَة الوَحشِيَّة والبَربَرِيَّة.
إنَّ هّذا العَداء الذِي يَتصاعَدُ عَلَى مَرِّ الأيّام والسَنُين والعُقُود جاءَ بِسَبب عوامِل عَمَّقَت من تأثير عامِلَي العِلاقات الدوليَّة والتفَجُّر الاتصَالِي الإعلامِي الآنِفَين، حيثُ لعِبَت الحُروب الصَلِيبِيَّة دَورًا فِي تَرسِيخ فِكرَة تَخَلُّف العَرَب ورَسِم صُورَة أنَّ الإسلام دِينُ الانتِقام والوَحشِيَّة، إضافَةً إلى التأثِير السَلبِي للحِقبَة الاستِعمارِيَّة وكِتابَات المُستَشرِقِين المُنَظَمَة حولَ الدِينِ وأَهلِه، إضافَةً إلى التحَيُّز الشَعبِي الغَربي ضِد العرب والإسلام والمُسلِمين والذي يعُودُ بشكلٍ رئيسِي إلى الصِراع التاَرِيخِي بينَ المُسلِمِين والصَهايِنَة وتَأثِير هذا الصِراع عَلَى اليَهُود الأمرِيكيين وهُم يملِكُون القبضَة المُطلَقَة على كافَّة وسائِل الإعلام الغَربيَّة وبَعض الوسائل العربيَّة المُوالِيَة الخائِنَة.
قارِئِي العَزِيز، أصبحنا فِي زَمانٍ لا نَعلَمُ فِيه مَن هُو المُسلِم الحَقِيقِي الذي يصطَفُ مَعَ جُمُوع المُسلِمين، صفُوفُنا مخَلخلَة ومَلِيئَة بالمُنافِقِين الذِين يُتاجِرُون بالدِين، بَيعًا وشِراءً، صُفُوفَنا مُفَخَخَة، يصطَفُّ مَعنا الخائِن الدَاعِشِي الذي خان عَقَلهُ واتبِع دِينًا لا يُشبِه الإسلام، رافِعًا لِشعارات تحمِل الإسلام وتُبطِن الدَمار والهَلاك، يصطَفُ معنا من يُعرِّف نفسَهُ أنَّهُ مُسلِم عِلمانِي، ذلِك المِسكِن المُقَلِّد الذي لا يُدرِك أنَّ هذا التركِيب لا يَصِحّ نِهائيًا مع الإسلام، ورُغم ذلِك، فإنَّهُ يرفَعُ هذا الشعار الهَجِين ليُحَقِق أهدافَهُ التَشويهِيَّة والتَمييعِيَّة الدَنِيئَة ليَحصِر الدِين فِي المسجِد، أو حتى يلغِيه مِن مظاهِر الحياةِ العامَّة، يصطَفُّ مَعنا الكُتّاب والإعلامِيُّون الذين باعُوا ذِمَمَهُم وعُقولَهُم للغَرب، فأصبحُوا يَألفُون ويُنتِجُون ويُوزِعُون موادّ مغلُوطَة، تَدُسُّ السُمَّ بالعَسَل، مُتمَحوِرَة حَولَ الإسلام وموقَّعَة بأسمَاءِ أبنائه، يصطَفُّ معَ جمُوعِنا الكَثِير مِن أشياعِ الشُيُوعِيين وفُروخِهِم، الكَثِير مِن أذنابِ اليهُود ومُرتَزقَتِهِم، جحافِل مِن أبناء العَمّ سام الخَاضِعِين الأَوفِياء، الكَثِير مِمَن لا يُمكن حَصرَهُم في فِئات، وإن اجتهدنَا، ويُمكِن تصنِيفُهُم في فِئَة أهل الرَغَباتِ الوَضِعَة والمصالِح المادِّيَة التافِهَة، اليوم يا صاحِبي يتعَالَى تَساؤُلٌ هاَم مَفادُهُ: مَن هُو العَدُوُ الحَقِيقِي للإسلام؟ أو كَم هُم أعداء الإسلام الداخلِيون والخارِجِيون؟ تساؤُلٌ هامّ، والإجابة عنهِ جارِحة، خاصَّة أنَّ العَدُو الداخِلي هو أخٌ لنا فِي الدِين وعَدُوٌ لنا غاشِمٌ مُستَترٌ!
قارئِي العَزيز، إننا نحتاجُ إذَن، وبشَكلٍ عاجِل، إلى وَعيِ إسلامِي كَبِير يستَنهِض جذوَة الحَركَة الإسلامِيَّة السامِيَة وتسدِيد هدَفِها نحَو بَيان الحَق وإزهاقِ الباطِل، وفِي ذلِك يقُولُ أُستاذِي الدُكتور بَدران بِن مَسعود الحسني، أُستاذ مُقارَنَة الأديَان: «إنَّ الحَرَكَة الإسلامِيَّة هِيَ كُلُّ جُهدٍ رَسمِيٍّ أو شَعبِي/ أهلِي، فَردِي أو جَمَاعِي، يَتَوَزَّع عَلَى خَرِيطَة الوَاقِع بِأبعَادِه المُتَعَدِدَة، مِن أَجِل أن يَعُودَ الإسلامُ لِقِيادَةِ الحَياة، وإنقَاذِ الإنسَانِ والإنسَانِيَّة، وأَن تَستَعِيدَ أُمَتَنَا الرِيادَة والقِيَادَة، ولِذَلِك فَالحَرَكَة الإسلامِيَّة لَيسَت إصِلاحًا لاهُوتِيًا أو سِياسِيًا، بَل هي مَشرُوع حَضَارِي. الحَرَكَة الإسلامِيَّة جُهدُ أبنَاءِ الأُمَّة لاستِعَادَة وَعيِهَا وإثبَاتُ ذَاتِها وتَحقِيقُ نَهضَتِها بالإسلام، لِتَجعَلَهُ يَقُودُ الحَياة ويُحَرِرُ الإنسَان، وتُحَقِق بِهِ العُمرَان وَلَيسَت طائِفَة جَدِيدَة، فَمَن جَعَلَ مِنَ الحَرَكَة الإسلامِيَّة طائِفَة جَدِيدَة فَهُوَ إمَّا يَعِيشُ الاغتِرَابَ عَنِ الوَاقِع أو أنَّهُ خَبِيثٌ يَتَعَمَّدُ تَفكِيكَ الأُمَّةِ وتَعمِيقَ الشَرخِ فِيها».
إنَّ سَعِي إبلِيس وأعوانَهُ إلى زَوالٍ وخَراب بإذنِ اللهِ تعالَى، مَهما طالَ الزمَانُ أو قَصُر، فتدبِيرُهم إلى ضَلال وسَعيُهُم إلى تَباب، والنَصرُ وحدَهُ للمُوحِّدِين والمُتَقِين، يقُولُ الله تعالى: «هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا»، ويقولُ تعالى: «إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ».
وأختَتِم هذا المَقال بمقُولة للمُفَكِّر الجزائرِي مالِك بِن نَبي، حَيثُ قال فِي كِتابِه الرائِع (شُروط النَهضَة): «إنَّهُ لا يَجُوزُ لأحَدٍ أن يَضَعَ الحُلول والمَناهِج مُغفِلًا مَكانَة أُمَتِه ومَركَزَها، بَل يَجِب عَلَيِهِ أن تَنسَجِم أفكَارَهُ وعَواطِفَهُ وقَولَهُ وخَطواتَه مَعَ ما تَقتَضِيهِ المَرحَلَة الَتِي فِيها أُمَتَه، أمَّا أن يَستَورِد حُلولًا مِنَ الشَرق أَو الغَرب، فإنَّ فِي ذلِك تَضييعًا ومُضاعَفَة لَلداء؛ إن كُلُّ تَقلِيدٍ فِي هذا المِيدان جَهلٌ بَل انتِحار».
بقلم : خولة مرتضوي
copy short url   نسخ
29/06/2018
2736