+ A
A -
ماذا لو استحضرنا اليوم، المجلس الذي وجّه فيه، العاهل السعودي الراحل الملك عبدالله، قراره ببعث قوات درع الجزيرة، لمواجهة مشروع المعارضة الطائفية، والتي كانت تحوم حول القصر الملكي في البحرين، بعد أن امتلكت الشارع، وكان هناك تردد في اقتحام القصر، ازداد به الفزع بعد رسائل غربية في حينه، أن الغرب لن يتدخل في صراع عسكري سياسي داخل البحرين، وأنّ كلا النفوذ الأميركي والبريطاني، لن يدخل في صراع مباشر، مع القوى الثورية الطائفية المؤيدة لإيران.
وهذه الفقرة بالذات، استمعتُ إلى تأكيد لها، من باحث أميركي كبير، هو د. انتوني كوردزمان، استضافته البحرين، في ندوة استراتيجية عن أمن الخليج العربي، بعد أحداث اللؤلؤة، وجه فيها توبيخاً مباشراً، للمطالبات التي توجه لواشنطن للتدخل للحماية، وقال بوضوح:
إنه لا يوجد أي تصور لتدخل أميركي، لو تعرضت دول الخليج الغربي، لتمرد من داخل الشارع، وقد كتبتُ في حينها مقالاً مطولاً، نشر في الحياة اللندنية، عَرضتُ فيه لرؤية الباحث، وأزمة الضعف الخليجي والتعلق بواشنطن ومناقشتها، وقد نُشر المقال في الحياة في السادس من نوفمبر 2013.
وبغض النظر عن تقييم القرار، أو الأوضاع السياسية في البحرين، وفي منطقة الخليج العربي، والتي كانت ولا تزال في حالة ظمأٍ شديد للإصلاح، تحت نكبات حقوقية كبرى، تراجع فيها الحق الدستوري والإنساني كثيراً.
غير أن وقف ذلك المشروع، ارتهن بقرار الملك عبدالله في حينه، ولقد شكّلت مساندة حركة الفاتح الوطنية في حينها للحكم، ظهيراً اجتماعياً، بعد أن برزت الروح الطائفية، لانتفاضة دوار اللؤلؤة في المنامة.
لكن أين هي حركة الفاتح اليوم؟
لقد تمت تصفيتها سياسياً، بدلاً من تطويرها ودعم شخصيتها الوطنية، كحركة شعبية إصلاحية مثلت توازناً اجتماعياً للبحرين، كان من الممكن أن يؤسس عليها، مشروع حوار وطني ناجح، يوائم بين الطائفتين، ويمنح الإرادة الشعبية مساحة، تُعزز الاستقرار الوطني الاجتماعي، وشراكة الناس على أساس مواطنتهم لا مذهبهم، انتهى كل ذلك الحصاد إلى الواقع السياسي اليوم، ولا يزال جمر التوتر متوارياً، تحت ركام الإجراءات الأمنية، التي لم ولن تخلق أجواء استقرار سياسي.
ورغم كل هذا الظرف المحلي الصعب، فقد اندفعت المنامة، التي قدمنا لها ولا نزال، كل رأي مخلص وناصح، كواجب عروبي وتقديراً لموقف احتفظت به كعهد وفاء، ورثته من والدي، لموقف الشيخ عيسى بن علي التاريخي معنا، في إحدى محن الأسرة السياسية في الأحساء، كنّا ضيوفاً عنده خلال حكمه للبحرين.
لقد دُفعت البحرين، إلى واجهة الصراع في الأزمة الخليجية، والتي كانت فيها الطرف الخاسر، ليس في التصعيد الإعلامي، وتوريطها الاجتماعي، واستدعاء حساسيات تاريخية مع قطر، وحسب.
ولكن لكون أن الناتج الكلي، طال الزمن أو قصر مع الأزمة، لن تخرج به البحرين، بأي نتيجة بل العكس، ستكون معرضة لحصاد مر، تسدد به فواتير أبوظبي، التي تمكنت من قرارها السياسي، وحسمت حتى داخل أطراف الأسرة المالكة نفسها.
فلنعد لمجلس الملك عبدالله أوان الأزمة، ماذا لو قيل له حينها، أن لدينا معركة مع قطر، وليس إيران فقط!
فأي عقل حينها يرى أن استدعاء النزاعات الداخلية الخليجية، داخل أسر الحكم أو بين الإمارات والمشيخات الخليجية المتعددة، هو بعد استراتيجي اليوم؟
بالطبع لم يكن أحد ليجرؤ، على طرح مثل هذه المشاغبات، فتحول الأمر بعد ذلك، إلى حسم سياسي سعودي، أنهت عبره المنامة تلك الانتفاضة عسكرياً، ولم تنتهِ حتى اليوم جذورها، ولم تتم معالجة انقسامها الاجتماعي والسياسي الخطير، بسبب تحويل الأمر كله إلى الحل الأمني، والملاسنة المذهبية التي أُغرقت بها البحرين.
لكن ماذا عن البعد الإيراني، الذي تتحدث به المنامة منذ أحداث اللؤلؤة إلى اليوم، هل أصبح قابلاً للتأخير؟
واستبداله ولو موسمياً بحرب سياسية، وتصعيد حول منطقة الزبارة القطرية، كيف لدولة تعلن في خطابها السياسي المركزي، أن قضيتها التغول الإيراني، وتدخله الاجتماعي والسياسي والديني، ثم تقول لطهران والعالم، إن لديها حرباً صراعية مع قطر، على منطقة الزبارة؟
ما هو موقفها في منظور الوطن العربي، الذي تعاطف مع هويتها، وإن اختلف مع وضعها السياسي والحقوقي، كيف يُزّج بهذه القضية، في مقابل قضية إيران، ومنذ التاريخ القديم، والصراع العُماني والجبري العقيلي الإحسائي، مع فارس حول البحرين، والأطماع قائمة، وإعلان التبعية مستمر، من قبل إيران.
إن استدعاء الصراع الحالي في دول الخليج العربي، سواء فكرة أبوظبي في حربها العشائرية القديمة مع قطر، أو البحرين اليوم، في قضية الصراعات العشائرية، لإمارات المشيخات، قبل الدولة القُطرية، يُشير إلى حجم الفوضى، التي يعيشها الفكر السياسي، لدول المحور في الأزمة الخليجية.
إن الصراع في منطقة الزبارة وغيرها، كان في سياق تلك الثقافة والحياة الاجتماعية، وهي نماذج مليئة بالتناقضات مع خرائط اليوم، وبعضها كان في ظل صراعات داخل أسر الحكم نفسها، فالبحرين والكويت وقطر تناوب الصراع فيها بين العثمانيين والإنجليز.
والرياض أسسها السلطان مقرن بن زامل، وكانت نجد تتبع لقائم مقام الهفوف، التي ترجع لمتصرفية الأحساء، ورحمة الجلاهمة كان أميراً للدمام احدى مدن الأحساء الشمالية، وقلعته شاهداً إلى اليوم، خاض فيها صراعاً شرساً مع الإنجليز، لتوسيع نفوذه إلى البحرين، ضد أبناء عمومته من آل خليفة، وساحل عمان الذي يضم كل الإمارات اليوم، تابع لتاريخ أئمة عُمان بالكامل.
إذن من أين نبدأ؟
إن استدعاء هذه الصراعات، أو البنية القبلية لتحل محل الدولة الوطنية، كما جرى في أوائل الأزمة الخليجية، ثم اكتشفت الرياض متأخرة، خطورة هذا الأمر، على بنيتها الاجتماعية، هو حراك عبثي مضر، وأن إصرار البحرين لتكون، واجهة للصراع الحسّاس، يخدم بالضرورة مشروع إيران، ويُضعف موقفها ويعزز سياسياً وإعلامياً، مشروع الأطماع الإيرانية فيها.
فإذا كانت دعوة النبي صلى الله عليه وسلم، لنبذ دعاوى الجاهلية، وأنها منتنة، في العلاقات الاجتماعية والأقوام، فإن استدعاء الحروب، والصراعات العشائرية، هي من أكبر الضرر، إن مما لا شك فيه، أن الواقع الجيوسياسي اليوم، يثبت حجم الخلل والضرر المركزي، من التفرق والانقسام القُطري، الذي سُعّر قديماً لصالح النفوذ الغربي، ويُهدد فتحه اليوم الخليج العربي، ليتحول إلى وجبة دسمة، تزحف عبرها القوى الدولية والإقليمية، أو تتركها تنزف ثم ترسم خطوطها الحمراء.
فأين العقل في دخول هذا البازار السياسي الفوضوي، وتغيير الأولويات، وهذه الملفات التي تُفجّر ليست سحب صيف، وإنما غسيل ينشر له من يلتقطه، ويجمعه ثم حين حصاده، يقدمه في المحافل، ليقول للناس أنت قلت ذلك، حربك في الزبارة، وليس دفاعاً عن البحرين أمام إيران، حينها يقال على نفسها جنت براقش.
- مهنا الحبيل - باحث عربي مستقل - مدير مكتب دراسات الشرق بإسطنبول
بقلم : مهنا الحبيل
copy short url   نسخ
09/07/2018
3009