+ A
A -
ودع العالم مونديال 2018 والذي نظمته روسيا بنجاح منقطع النظير وقام رئيس الدولة الروسية، وبصحبته رئيس اللجنة التنفيذية للفيفا، بتسليم راية المونديال رسميا إلى أمير قطر، ليبدأ العد التنازلي لمونديال 2022. كنت واحدا من كثيرين أصابتهم دهشة بالغة حين أعلنت اللجنة التنفيذية للفيفا عام 2010 عقب التصويت على العروض المقدمة من الدول المتنافسة لاستضافة مونديال 2022 عن فوز قطر في هذه المسابقة.
فقطر دولة صغيرة، ليس لها ماض أو حاضر كروي يعتد به، ومناخها يتسم بالحرارة الشديدة خلال يونيو ويوليو، الموعد المعتاد لإقامة المونديال، الأمر الذي قد يتعذر معه إن لم يكن يستحيل تنظيم مسابقة رياضية من هذا النوع، والدول التي كانت تتنافس مع قطر وقتها لتنظيم هذا كانت كبيرة وقوية وشملت كلا من الولايات المتحدة واليابان واستراليا وكوريا الجنوبية.
غير أنني لم أتوقف كثيرا وقتها عند الأسباب التي دعت أغلبية اللجنة التنفيذية للفيفا لتفضيل العرض القطري على العروض المقدمة من الدول الأخرى، وشعرت بسعادة بالغة لأن دولة عربية استطاعت أخيرا، وبعد إخفاقات كثيرة سابقة، أن تحظى بشرف تنظيم المونديال لأول مرة في تاريخ المنطقة، الأمر الذي دفعني لكتابة مقال تحت عنوان «الانجاز القطري» نشر في صحيفة «المصري اليوم» التي كنت أحد كتاب أعمدتها اليومية في ذلك الوقت، عبرت فيه عن سعادتي بفوز قطر، وأكدت فيه على أن هذا الإنجاز لم يأت من فراغ ودعوت الدول العربية الأخرى لمساندتها في مهمتها الصعبة والعمل على إنجاح هذا الحدث العالمي الكبير لأن نجاحها يمثل نجاحا لكل العرب.
لم تكن الخلافات والانقسامات القائمة بين الدول العربية في ذلك الوقت، وهي موجودة دائما بل وعميقة في بعض الأحيان، قد وصلت إلى ما هي عليه اليوم من لدد في الخصومة وشطط في الشماتة يصل إلى حد الكراهية. لذا لم يتهمني أحد وقتها بالعمالة لقطر وبأن ما كتبته جاء بوحي من ريالات قطرية تتدفق وتغدق بغزارة على العملاء في كل مكان، وهو الاتهام الذي أصبح جاهزا ومصوبا في وجه كل من ينطق بحرف لإنصاف قطر في أي موقف من المواقف!!. غير أنني لم أعد ابالي بهذه الاتهامات المعلبة التي تعكس حالة مرضية تثير الشفقة بأكثر مما تثير الخوف أو الهلع. ما أخشاه اليوم أن تؤدي التفاعلات الناجمة عن الحصار المفروض حاليا علي دولة قطر، من جانب السعودية والإمارات والبحرين ومصر، إلى دفع الأمور نحو حافة الهاوية وبالتالي إلى سعي البعض إلى حرمان قطر من ثمار هذا الإنجاز حتى لو أدى الأمر إلى هدم المعبد على رؤوس الجميع.
أدرك أن أوساطا عديدة، عربية وغير عربية، لم تكن سعيدة بفوز قطر بتنظيم مونديال 2022. فعلى مدى السنوات الثماني الماضية ظهرت تحليلات في صحف عديدة، من بينها الصنداي تايمز، تتهم قطر بشراء أصوات اللجنة التنفيذية للفيفا وذهب بعضها إلى حد الادعاء بأن ساركوزي، رئيس فرنسا الأسبق، ضغط على ميشيل بلاتيني، رئيس الاتحاد الأوروبي للكرة في ذلك الوقت، ليصوت لقطر مقابل شراء الأخيرة لنادي «باريس سان جيرمان» الذي كان يعاني من أزمة مالية صعبة، وأخرى تتهم قطر بسوء معاملة العمال وعدم مراعاة القوانين الدولية الملزمة، بل وصل الأمر إلى حد إقدام الاتحاد العالمي للنقابات العمالية بتقديم شكوى رسمية لتبرير المطالبة بسحب قرار استضافة قطر للمونديال. غير أن قطر نجحت ليس فقط في تفنيد تلك الادعاءات وإثبات عدم جديتها، وإنما ايضا في إقناع الفيفا بالذهاب في دعمه للموقف القطري إلى حد الموافقة على تغيير موعد انعقاد المونديال ليصبح في الشتاء بدلا من بداية الصيف، في سابقة هي الأولى من نوعها في تاريخ المونديال.
نجاح قطر في استضافة مونديال 2022 هو في الأصل منحة تتيح للعرب فرصة لجمع شتات القلوب المتفرقة، لكن هناك من يصر على تحويلها إلى محنة لإثبات قدرة العرب التي لا تبارى في تدمير الذات. نسأل الله حسن العاقبة.

د. حسن نافعة بقلم:
copy short url   نسخ
19/07/2018
1823