+ A
A -
يُحكى أن أحد الملوك احتال عليه خياط، فأقنعه بأنه سيصنعُ له ثوباً فريداً لا يراه سوى الحكماء! اقتنع الملك بمهارة الخياط المحتال، وخرج على وزرائه عارياً تماماً!
وقال لهم: انظروا.. ما رأيكم في هذا الثوب السحري الذي لا يراه سوى الحكماء!
خاف بعض الوزراء من غضب الملك، فقالوا: ثوب عظيم يا مولاي!
بعض الوزراء الطامعين في عطايا الملك قالوا: لم نرَ في حياتنا أجمل من هذا الثوب الذي يرتديه مولانا الملك!
وكان في القاعة طفل صغير، قال ببراءة: أين هذا الثوب الذي تتحدثون عنه، إني أرى الملك عارياً تماماً!
عندها قام أحد الوزراء، وقال للملك: ثوب مولانا لا يراه إلا الحكماء، اخرِجْ هذا الطفل السفيه الصغير من مجلسك!
مُذْ وُجدت السلطة على ظهر الأرض- والسلطة ضرورة لقيام أي مجتمع بشري قبيلة كان أم دولة أم إمبراطورية، كما يقول ابن خلدون- إلا وكان عند الحاكم بغض النظر عن قوة سلطانه وامتداد نفوذه مساعدون ومقربون منه، يسمع رأيهم إن لم يكن كفرعون لا يُري الناس إلا ما يرى، ويكلفهم ببعض المهام، فهو نهاية المطاف إنسان لا يمكنه القيام بأعباء الحكم وحده، فحتى الذي كان يرى أنه رب الناس الأعلى اتخذ هامان مساعداً له، وهذا شيء يشترك فيه كل حكام الأرض سواء كانوا عادلين أم ظلمة! وهي من الأمور المشاهدة المعروفة التي لا داعي للاستفاضة فيها!
ولكن كما يختلف الحكام، كذلك يختلف الوزراء والمستشارون والبطانات، وبالإضافة إلى مهمة هؤلاء الأساسية وهي معاونته على تسيير أمور العباد والبلاد، فإن لهم مهمة أكثر قداسة وهي أن يخبروا الحاكم بالأمور الخاطئة التي يعتقد أنها صواب، ويرفعوا إليه أحوال الناس التي ربما لا يسعفه وقته أن يراها بنفسه، فهم منه بمثابة حواسه، يرى بهم ويسمع، يفكر ويقلب الأمور، لكن المصيبة الكبرى حين يتحول هؤلاء من مساعدين ومستشارين إلى حفنة طبالين! المفتي يلوي أعناق النصوص ليعطي مولانا لقب الحاكم بأمر الله! والوزير ينفذ له رأيه الذي يعرف في قرارة نفسه أنه خاطئ، ولكن لقمة العيش أغلى من الضمير والكرامة! والمستشار يصفق له على الخطأ، ويحييه على الهزيمة، تماماً كيوم رمى المتوكل عصفوراً بسهم فلم يصبه، فقال له أحد مرافقيه: أحسنتَ يا مولاي! فنظر إليه المتوكل شزراً…
فاستدرك قائلاً: لقد أحسنتَ إلى العصفور!
وكيوم ضرب مصر زلزال، فقام الشاعر مطبلاً وراقصاً على جراح الناس وقال للخليفة:
ما زُلزلتْ مصر من كيدٍ ألمَّ بها
لكنها رقصتْ من عدلكم طرباً
والبيت ليس للمتنبي كما هو شائع!
إن كثيراً من واقعنا العربي المزري يتحمل مسؤوليته هؤلاء المطبلون المقربون من الحكام، لربما لو كان فيهم ذرة من ضمير، ونصحوا وأرشدوا وسددوا وقاربوا لاختلفت الأمور كثيراً، أو لربما لو أنهم لم يطبلوا لما احتفظوا بأماكنهم! المشكلة الكبرى حين يبحث الحاكم عن طبَّال!
بقلم : أدهم شرقاوي
copy short url   نسخ
19/07/2018
3810