+ A
A -
تمَّ الإعلان عن فيلم قصير مدته عشر دقائق، وجاء في الإعلان أن الفيلم قد فاز بالجائزة الأولى عن فئة الأفلام القصيرة، ولهذا السبب سيتم عرضه في قاعة السينما!
أثار الإعلان فضول الناس وأتى لمشاهدته جمع غفير… بدأ الفيلم بمشهد لسقف الغرفة، ومضت ستُ دقائق والكاميرا لا تتحرك، الوقت يمضي ولا شيء غير سقف الغرفة! تململ الناس وشعروا أنهم قد خُدعوا، حتى أن بعضهم همَّ بالانصراف، ولكن أخيراً تغير المشهد، الآن صورة من الأسفل لطفل مشلول نائم في سريره! ثم ظهرت كتابة تقول: لقد عرضنا لكم ثماني دقائق فقط من المشهد الذي يشاهده هذا الطفل على مدار حياته! من الجميل أن تعرفوا قيمة كل ثانية من حياتكم!
غارقون نحن في نعم الله من حيث لا ندري! وللأسف أغلبنا لا يعرف نِعم الله سبحانه عليه إلا إذا فقدها! قاصرو التفكير والإدراك نحن عندما ننظر إلى الذين أعطاهم الله أكثر مما أعطانا بدل أن ننظر إلى الذين حُرموا مما تكرم الله به علينا! محدودو النظر نحن عندما نحسب أن النِعم في المال والمناصب والشهرة فقط! وهي والله نِعم من المنان لا أنكرها ولكن ماذا عن النعم التي لا تشتريها الأموال ولا تأتي بها المناصب ولا يتم إدراكها بالشهرة؟!
مأساتنا الكبرى نحن البشر أننا نعتقد أن كل ما بين أيدينا هو حق من حقوقنا، لهذا يبدو ما نملكه ضئيلاً في عيوننا ولكننا لو نظرنا حولنا، ورأينا أولئك الذين حُرموا مما لم نُحرم منه لعرفنا أننا لو سجدنا لله شكراً وما رفعنا رؤوسنا حتى يدركنا الموت لما أدينا حق الله من الشكر!
نحن نعتقد أن إنجاب الأولاد حق من حقوقنا فقد تزوجنا، ونحن أصحاء، وما من مشكلة، حسناً ألا يوجد في هذا العالم من لا يستطيع أن يتزوج؟! كم من فقير يشتاق أن تكون له زوجة، وكم من فتاة حسناء فاتها قطار الزواج، وكم من بشر تزوجوا، ولكنهم لم يُنجبوا، إن هؤلاء الأولاد الذين لا ندرك حجم النعمة فيهم غيرنا لا يريد من الدنيا سوى ولد!
نحن نعتقد أنه من حقوقنا أن نكون أصحاء، بربكم انظروا حولكم لتعرفوا مدى نعمة الصحة، انظروا للمتجه إلى المستشفى لأجل جرعة الكيماوي التي تحرقه من جهة وللسرطان الذي ينهشه من جهة! انظروا للمتجه إلى قسم غسيل الكلى، انظروا للمقعدين، للمبتورة أقدامهم، للمحرومين بأمر الأطباء من عشرات صنوف الطعام الذي يملكون ثمنه! انظروا للعميان، للصم والبكم، ثم بعدها قولوا: لك الحمد يا رب!
نحن نعتقد أن الأمن حق من حقوقنا لهذا لا نعرف قيمته، انظروا إلى البلاد التي تدور فيها الحروب، إلى الأرامل في مقتبل العمر، الأمهات الثكالى، الآباء المفجوعين بأولادهم، البيوت المهدمة، التجارات التي انهارت بين ليلة وضحاها، التشرد في الأرض بحثاً عن حياة، الجثث التي نجت من نار القذائف ولم تنجُ من ماء البحر فشاهدناها على قنوات التلفزة ممددة على الشواطئ!
نحن أثرياء كثيراً، أثرياء أكثر مما نعتقد، وأكثر مما نتخيل، أثرياء بنعم الله التي لا تُشترى، نحتاج فقط أن نُغيِّر نظرتنا إلى الحياة، أن نُعدد ما لدينا من نعم، ونستمتع بها إلى الحد الذي ننسى به ما نفتقد!
قرأتُ مرةً قولاً لشخص يقول فيه: كنتُ أتذمرُ من حذائي القديم حتى شاهدتُ رجلاً قد بُترتْ قدماه!

بقلم : أدهم شرقاوي
copy short url   نسخ
22/07/2018
5135