+ A
A -
جَرِّبْ أن تَكون شابا في عمر الورد وبِرُوح النَّدى لِيَعبس قُبَالَتَكَ وَجْهُ الأيام التي تَجُرُّكَ إلى المجهول ذاك الذي يُضْمِرُ لك كُلَّ شرّ وضَغِينة!
ما أَصْعَبَ الطريقَ إلى السكينة، السكينة! تِلك تَكون مدينةُ الحُلم الزجاجية التي لا تَصْمُدُ قُدَّامَ عاصفة ولا تَنْحَنِي لها ريح.. قكيف لك لتستريح وثمة مِن الهَمّ ما يُسَوِّي الجبلَ بالأرض؟!
بَطلُ القصة كما قُلْنا شابّ فَتِي، يَسْبِقُه إلى الحياة بِساطُ أحلامه الأحمر، لكن الحياة اللعينة تَسْتَكْثِرُ عليه تَطَلُّعَه إلى رحيق زهرة الحياة هُوَ الزاحف إليها زَحْفَ فَراشة خانَها جَناحاها..
خَبَرٌ كاللعنة يَسقط، فَيَتَهَيَّأُ الشابّ لِمَوْعِد مع تسونامي سرطاني يُطيحُ بعرش قلبِه الراغب في الحياة، ويُطيح بالْمِثل بمملكة شَعرِه بعد خَوْضِه رحلة شاقة مع العلاج الكيميائي..
مَجْدُ الشباب يَنهار صَرْحُه، وبريقُه يَتلاشى، ويَتَأَهَّبُ الشاب المسكين للعودة إلى بيته وهو يلجم صرخةً دفينة لَعَلَّها كانت ستَنطلق لِتُخَفِّفَ مِن بركان الحسرة التي تأكله كالنار وهو يُفكر في مَشْهَد رفاقه وزملائه القادمين إليه يَسبقهم حماسهم لِرؤية الغائب عن العين لا عن القلب..
هل هو شعور الخجل مِن أن يَرَوْهُ وهو بدون شَعر؟!
أم هو الحَرَج مِن أن يَقرأَ إحساسَ الشفقة في عيونهم؟!
أم هي الرغبة في الهروب بعيدا عن عالَم ما عاد يَنتمي هو إليه، عالم يَرفضه رفضا لكنه مازال يُمَنِّي نَفْسَه بمصالحة؟!
يرَكض الأصحاب صعودا إلى بيته، يَشْتَدُّ وقعُ طُبول الحنين، وأخيرا تَقَعُ عليهم عَيْنَا الشاب المسكين، فتَدْمَعان، ولا يَدري أَهِيَ دموع المرارة أم هي دموع الفرحة بلقائهم..
شيء ما كَقِطْعَة السُّكَّر، شيء هو أضاف إلى فنجان اللقاء حلاوةً ما بعدها حلاوة، شيء تُلَخِّصُه كلمات خفيفة على اللسان، لكنها ثقيلة في ميزان الحُبّ: «كُلُّنا معك»..
بُكاء الشاب لم يكن من باب الاشتياق إلى هؤلاء الرفاق، لكن كان هناك ما هو أكبر من الشوق، كان هناك ما يمكن أن يَكون معادلا للحياة إن لم يَكُنْ يَختزلها فقط، إنه الإخلاص لِمَن تُحِبّ وقوة المشارَكة..
دموع الشاب المتلألئة جاءَتْ كَرَدّ فعل على خطوة مُشَرِّفَة قَطَعَها زملاؤه، لقد قرروا بإجماع أن يُفَصِّلُوا لزميلهم قميصَ الفرح الذي لا شكَّ في أنه سيُضْفِي على مُحَيَّاه نورا يُعيد إلى عينيه الرغبةَ في الحياة ويُثَمِّنُ الإحساس بالحياة الذي مضى زمن وهو يُشَكِّلُ النصَّ الغائب..
اتَّفَقَ الأصدقاء على أن يَحلقوا شَعْرَ رؤوسهم مؤازرةً لأخيهم المريض وتَضامُنا معه في محنته وإخلاصا لحبهم له وإنصافا له بعد أن حَكَمَتْ عليه الحياةُ حُكْمَها القاسي..
شجرةُ الحِكمة كيف لها أَلاَّ تُورِقَ وتُزْهِرَ وتُثْمِرَ وهِيَ الْمُعادِل للإِسْفَنْجَة السحرية التي يليق بها أن تُلَمِّعَ حذاءَ إحساسنا بالحياة مهما رَشَقَنا طوبُها وحَجَرُها!
لِنَأْخُذْ الحكمةَ مِن هؤلاء، ولْنَتَعَلَّمْ كيف يُسْنِد كُلٌّ منا الآخَرَ لا كيف يَكسره ويَدوسه بِنِعَال الشماتة، كيف يُقَوِّي الواحدُ منا الآخَرَ ويَحْمِيه مِن شتاء الأيام القاسي ويُفَصِّل له مِن إحساسه به معطفا دافئا يَقِيه بَرْدَ العُمْر..
نافِذَةُ الرُّوح:
«حياتي لَيْلٌ، فما جَدْوَى أن تُشْرِق َالشمسُ على الدنيا؟!».
«لا شيء يَعني لي شيئا حين تَموتُ عصافيري الزَّاهِدَة في الحَبّ والحُبّ».
«اَلْمُبْعَدُون عن صومعة القلب مَنْ يُصَيِّرُونَ تَعامُلَ الأغراب تَحَضُّراً».
«بين مسافتين أَجسُّ نبضَ قلبٍ كَفَرَ بِشَجَرَتي التي عَشَّشَتْ فيها عصافيره».
«راهَنْتُ على جُمْجُمَة، فَخَسِرْتُ الكَبِد».
«مُمِيتٌ أَنْ تُحِسَّ بأنَّ الحَبَّ ما عاد يُشَجِّعُ على الحُبّ».
«مَجامِرُ الحُبِّ تَنْطَفِئُ».
بقلم:د. سعاد دَرير
copy short url   نسخ
09/08/2018
2713