+ A
A -
لأنها تجهش بالبكاء كلما فتحت موضوع بيتها الخاص، فإننا لا نسأل عن المزيد لكن الحكايات تفرط منها مثل دموعها وتبدأ بالحديث. تلك هي صدقيتي التي كانت وردةً في بستان الحياة وتحولت بعد سنوات قليلة إلى بقايا أنثى، غائبةً تمامًا عن شخصيتها الأصلية. صديقتي التي كانت مثل الفراشة المتنقلة المقبلة على الحياة على جميع أصعدتها. أذكر تمامًا كيف كانت تلح عليّ أن نشترك في الدورة الفلانية أو نقضي عطلة نهاية الأسبوع في هذا النادي أو لمتابعة ذاك الفيلم في السينما. صديقتي التي كانت وردة منزل أبويها، متفرعة في كل أحاديث الأسرة ومهتمة بالجميع، تساعد هذا وتقضي حوائج ذاك. ورغم كل المسؤوليات والنشاطات والخطط، يعلو محياها ابتسامة رضا وتفاؤل وإقبال على الحياة.
يُقال إنَّ الزواج هو الذي يصنع الحب الحقيقي، وشواذ القاعدة أن يصنع الحب الزواج... فكم من قصة حب انتهت بزواج وانتهى معها الحب على أبواب المحاكم وكم من قصة حب بدأت بعد زواج بُني على أساس ارتباط واتفاق وتفاهم واحترام، فدام الزواج واستمر وأضيف إليه قصة حب أبدية.
تتنوّع الطلاقات بتنوّع العلاقات، فهناك طلاق عن اتفاق، لكن من دون حب... هناك طلاق عن كره وانتقام وهو الأكثر شيوعًا، وهناك طلاق عاطفي تحت سقف واحد، وما أكثره! لكن، هل يستطيع الطائر من دون جناحين أن يحلق؟ بالطبع لا، وكذلك الزوجان، من دون موازنة العقل والعاطفة لا يستطيعان أن يكملا حياتهما. صديقتي هذه تعاني جفاء حادا وطلاقا عاطفيا يهدد استقرار بيتها الصغير، إنَّ تصرف الزوج في الابتعاد عن البيت لأيام، النوم في غرفة منفصلة، السفر بمفرده في الصيف، كلها بوادر انفصال عاطفي عن الزوجة يترجمه الرجل ضمن مأساة حقيقية. إنَّ هجر الزوجات ليست ظاهرة جديدة في مجتمعنا خاصة وإنَّ نسبة المعلّقات غير المطلقات في تزايد مستمر، وإنَّ هذه الظاهرة تتسم بأنها مستترة تحت قناع الزواج والحياة السعيدة التي يراها الآخرون في أبهى حللها، إنما ما يتستر عن العيون كبيرٌ جداً. وأعتقد وبشدَّة أنَّ بوادر الطلاق العاطفي تظهر جلية في تصرفات الزوج أو الزوجة، فيجد المقربون من الاثنين تغيراً في مزاج ونفسية أي منهما أو ميلاً عدائياً نحو الذات أو الآخرين.
الزواج آية وامتثال لأوامر الله جل وعلا، وفيه حفظٌ للنسل لعمارة الأرض وقضاء للوطر وتصريف للغريزة بطريقة شرعية يُؤجر عليها المسلم وتحقيق للأنس والراحة بين الزوجين فتستقر الحياة ويسعد المجتمع، يقول الله جلّ وعلا في كتابه الكريم: «ومن آياته أن خلق لكم من أنفسِكم أزواجاً لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودّةً ورحمة إنّ في ذلك لآياتٍ لقوم يتفكّرون». فإن تحقّق السكن النفسي بين الزوجين، أصبحت حياتهما مطمئنة سعيدة مستقرّة، وينعكس هذا الاطمئنان والسعادة على الأسرة، فتُنتِج جيلاً قوياً قادراً على التغيير المنشود في المجتمع، وإذا عاش الزوجان جفافاً عاطفياً بينهما، فسيبدأ كلّ منهما رحلة التفتيش عن الذات والحنان خارج حدود الآخر وقد يصل بهما الأمر إلى الخيانة أو الطلاق.
إذاً، يُمكن اعتبار العاطفة وإخراج المشاعر هي من أهم الأولويات المشتركة بين الرجل والمرأة كما أشارت إحدى الدراسات. ذلك الأمر هام جداً في الحياة العائلية وخاصة بين الرجل والمرأة لتحقيق الإشباع العاطفي بينهما ولتثبيت أركان البيت. فبالحب يتكامل الرجل مع المرأة وتصبح الحياة أكثر إشراقاً وبهجة، وتنتفي مشاعر الوحدة والبؤس. ولكن دون البوح بهذه المشاعر التي تبقى حبيسة الأفئدة فإن البيت سيبقى بارداً وقد ينهار وتتفكك حينها الأسرة ويضيع الأبناء! إنَّ أهمية الإشباع العاطفي قد تغيب عن أذهان الزوجين بعد فترة من الزواج إذ يعتادان على نمطية رتيبة وروتين مقلِق وتصبح علاقتهما جدباء قاحلة من كل عاطفة حتى في الأوقات الحميمية بينهما.

لابد وأن يبحث الزوجان (الواعيان) في الأسباب الرئيسية وراء المشاكل الصغار التي تصب في الطلاق العاطفي الواقع بينهما، وأن يبحثا «وسريعا» عن أي حلول ناجعة لفض تلك التحديات في وقتها كي لا تستفحل أكثر ولتستمر مركبة الحياة الزوجية في بحر الحياة قبل أن تمر السنين ويصبح الطلاق العاطفي هذا أمراً «عاديا» طبيعيا يتكبد عناءه الأبناء الصغار والمحيطون بالزوجين. ويبقى أن الإشباع العاطفي بين الزوجين هو ارتواء قلبيهما بالحب والحنان والمودة والرحمة بحيث لا يكون عندهما نقص في المجال العاطفي فيبحثان عنه خارج حدود الإطار الزوجي.

بقلم : خولة مرتضوي
copy short url   نسخ
24/08/2018
2932