+ A
A -
لازال الإرهاب الجهادي، حيّا يتنفس، يشن هجماته في كل مكان، يبعث شياطينه، يفسد في الأرض، كيف نفهم هذا الإرهاب؟ وما أسباب استمراره، رغم تدمير دولته، وتشريد أعوانه؟ لماذا يستمر الفكر العدمي رغم هزيمته، وإحكام حصار العالم عليه، وتجفيف مصادره المالية والعسكرية؟ لماذا كلما اشتدت محاربته، ازداد انتشارا وتوحشاً؟!، البغدادي، مؤخراً، دعا أتباعه للصمود، ومواصلة الهجمات على الغرب والعراق وسوريا.. لماذا هذا الإصرار على القتل والدمار؟!
كل هذه التساؤلات، أجاب عنها الفيلسوف والكاتب اللبناني علي حرب، في آخر كتبه الجهاد وآخرته: ما بعد الأسلمة الدار العربية للعلوم، بيروت، فبراير2018، وهو من أقيم كتبه الجامعة لأهم المحاور حول: الجهاد والإرهاب، هل المثقف إرهابي؟، الفيروس الجهادي، الإرهاب وهويته الدينية، أوليفيه روا ومأزق القراءة الخطرة، الغنوشي والخروج من الإسلام السياسي: الخديعة والأضحوكة، تجديد الخطاب الديني أم هزيمة المشروع الديني؟.
أحاول في هذا المقال، تلخيص رؤية الكاتب لظاهرة الإرهاب الجهادي في الأفكار الأساسية الآتية:
1 - الإرهاب الجهادي، هو ظاهرة مركبة، تتداخل في نشوئها عوامل عديدة: سياسية وأمنية، ومعيشية واقتصادية، ولكن العامل الثقافي والفكري، هو العامل الأهم، لماذا؟ لأن الإرهاب الجهادي والانتحاري، لا يصدر إلا عن عقيدة اصطفائية مغلقة، يرى صاحبها أنه ينطق باسم الإسلام الأصولي الصحيح، والجهاد المقدس، دفاعاً عن الأمة ضد غزو الدول الغربية، من الخارج، أو من أجل إصلاح الأمة، وإعادتها إلى الصراط المستقيم، ومكافحة انحرافها، من الداخل، وهذا القتال ليس لأسباب سياسية أو اقتصادية.
2 - الإرهاب الجهادي، ليس ردة فعل على العدوان الغربي، كما أن الإرهاب ليس ردة فعل على ظلم أو اضطهاد، وليس الإرهاب منطلقاً من مقولة (صراع الحضارات) أو الرد المتأخر من جانب المسلمين على الزمن الكونيالي، وان حرب المسلمين ضد فرنسا هي رد فعل على حربها ضدهم، أو بسبب كره المسلمين والتعاطي معهم بمنطق التمييز أو الإقصاء الاجتماعي، كما ذهب إليها فلاسفة ومختصون بالشأن الإسلامي في فرنسا كميشال أونفراي، ومارسيل غوشيه، وريجيس دوبريه.
3 - الإرهاب الجهادي، ليس كما يقول أوليفيه روا: المسألة ليست راديكالية الإسلام، بل أسلمة الحركات الراديكالية، بمعنى أن هذه الحركات، هي متطرفة أصلا، ولبست لبوس الإسلام لاكتساب المشروعية. هذه قراءة خاطئة وخطرة.
4 - كل هذه القراءات مغلوطة للإرهاب الجهادي: فأولا: الإرهاب ليس ردا حضاريا على حرب يشنها الغرب على حضارة المسلمين وهويتهم ومعتقدهم، لأنه، وبحسب المنطق الإرهابي، قتال في سبيل الله تعالى، وسعي لأسلمة الحياة، وتعبير عن أكثر أشكال التعصب والعدوانية. وثانياً: ليس هو بمثابة فيتامين الضعفاء بحسب وصفة دوبريه، إنه بالعكس فيروس قاتل تم زرعه في العقول من جانب الحركات الأصولية السلفية، يجسده 3 فاعلين على المسرح: لاهوتي متكلم يجتهد ويشرع، داعية يفتي ويكفر، وجهادي يقتل وينفذ، يستوي في ذلك: أهل الخلافة وأتباع ولاية الفقيه. وثالثا: وقعت هذه القراءات في خطأ الجهالة بنسق فكري أصولي اصطفائي، يدعي أصحابه احتكار الحقيقة، ولهم مشروع للهيمنة على مختلف جوانب الحياة المجتمعية، وله أساسه ومنطلقه كما أن له وسائله وغاياته، والجهادي إنما يسعى لفرض شريعته، يشن حربا شعواء على المختلف والآخر في الداخل والخارج. ورابعا: إن هذه القراءات خطرة، لأنها في النهاية، تعطي التبريرات اللازمة لاستمرار ما تقوم به هذه المنظمات الجهادية، وبذلك تحجب الأسباب الفعلية لنشوء ظاهرة الإرهاب الجهادي، حينما تردها إلى الاستعمار أو الاستبداد أو إلى صدام الحضارات أو إلى استراتيجيات التهميش والإقصاء، وهي عوامل مساعدة، وتتجاهل العامل الفكري والثقافي الأساسي، هذا المنهج في القراءة، خطر، لأنه هو الذي برر ما مارسه النظام النازي من أعمال القتل والإبادة، بوصفها ردة فعل ضد الحلفاء الذين فرضوا شروطهم المذلة على ألمانيا بعد هزيمتها.
الخاتمة: ما المخرج؟ لنحسن القراءة والتشخيص كي نجد المخرج، إنه يتعدى المقاربات الأمنية والسياسية والاقتصادية، إننا بحاجة إلى استراتيجية جديدة، تندرج في برامج التعليم، من أجل العمل على تشكيل هويات مركبة، بأبعادها المتعددة: الوطنية والعالمية، الخصوصية والإنسانية، المحلية والكوكبية.

بقلم : د.عبدالحميد الأنصاري
copy short url   نسخ
27/08/2018
2689