+ A
A -
جزء أساسي من معاناة السوريين في أوروبا هو في عدم قدرة الغالبية العظمى منهم على الاندماج في المجتمعات الأوروبية الجديدة عليهم تماما، إذ ستشكل ثقافة المجتمع الأوروبي، بما فيه من انفتاح اجتماعي وحريات في العقيدة والتفكير والملبس، والحريات الجنسية على وجه الخصوص، ستشكل صدمة قوية للعائلات السورية القادمة من مجتمع ثقافته مبنية على مفهومي (العيب) و(الحرام)، وهما مفهومان يسمعهما الطفل منذ أول وعيه على الكلام والحياة، دون شرح، لماذا هذا عيب ولماذا هذا حرام، ليمتد ذلك طبعا إلى ثقافة الملبس والمظهر العام، خصوصا للأنثى، ثم العبادة والتفكير والتعبير الحر عن الرأي والاستقلالية، سيما للأبناء حين وصولهم إلى سن السادسة عشرة، انتهاء طبعا، بالحريات الجنسية، وهي الأكثر إثارة للحفيظة والرعب لدى العائلات اللاجئة، حرية اختيار الشريك والمثلية الجنسية المنتشرة حاليا في أوروبا انتشارا مريبا حتى لمن يملك عقلا منفتحا ومتنورا، حتى للكثير من الأوروبيين المحافظين، الذين احتجوا في أكثر من مدينة أوروبية على السماح بزواج المثليين، واعتبروه خرقا فاضحا للنظام العائلي الكنسي، ولتعاليم السيد المسيح.
لنتخيل ردة فعل الزوج السوري أو العربي أو القادم من أية دولة من الدول الإسلامية المحافظة، حين تهدده زوجته باستدعاء جهاز البوليس لأنه قام بضربها وإهانتها كما اعتاد على الفعل في بلده الأصلي، التي لا توجد فيها أية قوانين لا اجتماعية ولا تشريعية تمنعه من فعل ذلك! أن تقوم ابنته بالفعل نفسه لو قام بضربها بذريعة تربيتها! لو استدعى جيرانه الاوروبيون الشرطة لاستجوابه واعتقاله لأنه يصرخ في الليل في وجه أبنائه، أو يقوم بإحداث ضجيج ما هو وعائلته في منزله، وهو ما تمنعه القوانين الأوروبية منعا باتا وتعاقب من يقوم بهذا الفعل، بينما لا نبالي نحن العرب في بلادنا بما يمكن أن تسببه اصواتنا المرتفعة وصياحنا وضجيجنا للآخرين، فالآخرون في بلادنا يفعلون مثلنا تماما! يمكن لنا أن نتخيل أيضا ما الذي سيحدث لو أن ابنة في السادسة عشرة أحضرت معها إلى البيت (البوي فرند) وأعلنت لعائلتها أنها ستكون معه، أو أحضر شاب صديقا شابا مثله ليعلن للعائلة المصدومة أن الشاب شريكه وقد يتزوجه وفق القوانين الأوروبية!
ما سيحدث هو التالي: إما هجرة عكسية ومحاولات العودة إلى البلد الأصلي، أو جرائم شرف بسبب فورة الدم وعدم تصديق التغير الحاصل في صلب العائلة، أو المزيد من التقوقع مع المتشابهين، والرفض الكلي للاندماج، سواء في المجتمع أو سوق العمل أو دورات تعلم اللغة. سوف تصبح العزلة خيارا أساسيا، العزلة التي تؤدي إلى مزيد من الانغلاق ووضع الأقفال على العقل كي لا يفكر لحظة واحدة بما يحدث خوفا من تسرب قليل من الاقتناع والقبول، الانغلاق بدوره يترك مساحة واسعة للتطرف كرد فعل على ما يراه هؤلاء انحلالا أخلاقيا ودينيا، هذا التطرف سيقابله تطرف آخر من عنصريي بلد اللجوء، الذين يطالبون بعودة جميع اللاجئين إلى بلادهم، المندمجين وغير المندمجين، ويتحينون الفرص للقيام بالتظاهر وأحيانا بأعمال عنيفة ضد اللاجئين لطردهم من البلاد، هذا التصادم مع عجز القوانين الأوروبية عن تحقيق الاندماج الفعلي، مع الاصطدام الأكبر بحاجز اللغة، ليس فقط كمفردات، بل كمنظومة ثقافية ونفسية وفكرية وسيكولوجية محملة بثقل تاريخي طويل، مع سوء الأوضاع الاقتصادية وملامح الفساد الإداري في بعض الدول الأوروبية، وانتشار ما يسمى الأسود المتحايل على القوانين، سيعجل، حسب رأيي، من حالة الاصطدام التي بدأت فعلا، وسيزيد من حدتها ووتيرتها، ما لم يتم اتخاذ خطوات حاسمة ودورات تأهيل واندماج جذرية للاجئين العرب والمسلمين في أوروبا، أو بما يخص السوريين، إيجاد حل سياسي دولي يوقف المأساة ويضمن عودة من يرغب من اللاجئين بشكل لائق دون التعرض لهم لا مجتمعيا ولا أمنيا.

بقلم : رشا عمران
copy short url   نسخ
04/09/2018
3451