+ A
A -
في العام 1632م وقف «غاليليو غاليلي» أمام محكمة الفاتيكان في روما بتهمة الهرطقة! فقد تبنى نظرية «نيكولاس كوبرنيكوس» القائلة إن الأرض ليست مركز الكون وأنها لا تعدو كونها كوكبًا يدور حول الشمس، ودافع عنها بشراسة! ولكن المحكمة بقضاتها ورهبانها وقساوستها كانت تجهل هذه الحقيقة العلمية التي يعرفها الأطفال في الصف الأول الابتدائي اليوم، وخيرتْ «غاليلي» بين أمرين:
إما أن يتراجع عن أقواله الكافرة هذه!
أو يُحرق حيًا!
فاختار أن يتراجع عن أقواله، ولكنه لحظة خرج من قاعة المحكمة، ضرب برجله الأرض وقال: ولكنها تدور!
وإن كان «غاليلي» قد اضطر إلى مجاراة المحكمة لينجو بجلده، وحافظ على إصراره أن الأرض تدور، فإن آخرين شاطروه ثقته هذه في مجالات أخرى ولم يجاروا أحدًا، وعلى الرغم أنهم لم يتلقوا تهديدًا بالحرق أحياءً، إلا أنه يحسب لهم استماتتهم في إثبات أفكارهم!
يقول الدكتور باري مارشال: كان الجميع يقفون ضدي ولكني كنتُ على يقين أنني الوحيد الذي يملك الحقيقة!
ففي العام 1998م اكتشف باري مارشال أن جرثومة المعدة «H.PYLORI» هي سبب القرحة، ولكن الجميع سخروا منه، فما كان منه إلا أن وضع أولًا علاجًا للقرحة دون تدخل جراحي، ثم قام بابتلاع هذه الجرثومة، وانتظر حتى سببت له قرحة في معدته، فتناول الدواء الذي اخترعه وشفي تمامًا، وهكذا استطاع إسكات الجميع، وضرب واحدًا من أروع مواقف الثقة بالنفس على مر التاريخ!
والشيء بالشيء يُذكر، كان الدكتور «دونالد أنجر» يعتقد أن فرقعة الأصابع لا تُسبب التهابًا في المفاصل كما يؤمن الأطباء، واستمر لمدة ستين سنة يفرقع أصابع يده اليسرى، وبعدها طلب من الأطباء أن يجروا فحوصًا لكلتا يديه، ليتبين أنه كان على حق، هذه الثقة جعلته يفوز عام 2009 بجائزة نوبل للطب!
أعتقد أن الفكرة قد وصلت، وأن المزيد من الكلام لن يجعلها أكثر جلاءً، ولكن على أيه حال يحدث كثيرًا أن يكون الرأي السائد خاطئًا، ويحدث أن يتبنى المجتمع أفكارًا مغلوطة بينما يتبنى فرد فيه فكرة صحيحة!
صحيح أن على المرء أن يُراجع أفكاره إذا كانت ضد السائد، ويتريث في إعلانها وعدم المجاهرة بها، ولكن بالمقابل إن التريث لا يعني التنازل والتكيف، وإنما يعني محاكمة هذه الفكرة حتى تصبح يقينًا وقتذاك، تشبث بفكرتك ولا تنحنِ، وتذكر أنه في أحد الأيام لم يكن على ظهر الأرض مؤمن إلا إبراهيم عليه السلام!

بقلم : أدهم شرقاوي
copy short url   نسخ
06/09/2018
2763