+ A
A -

يقول «لي كانشو إل كادري» وهو من الثوار الأوروغويين:
في الأيام الأخيرة للديكتاتورية في الأورغواي، كنا نتناول الخوف بدلًا من طعام الإفطار، والخوف بدلًا من الغداء، والخوف بدلًا من العشاء، لكنهم لم ينجحوا في جعلنا مثلهم!
هذا ما يسمونه جهاد القلب، الحرب الشرسة التي تخوضها مع شيطانك الذي يسول لك أن تردّ الصاع صاعين، أو لربما غلّف تسويله لك بقالبٍ ديني أن عاقِبْ بمثل ما عوقبت به، وما أغراك بالانتقام لعزة يريدها لك، وإنما يضره أن يبقى قلبك بهذا البياض!
الحرب التي تخوضها مع نفسك وهي تؤزك لتحارب الآخرين بنفس أسلحتهم، بغض النظر عن خِسة الأسلحة، وتخبرك أن البادئ أظلم، وأن أوجعهم كما أوجعوك، ولا بأس بطعنة في الظهر، وطعناتهم في ظهرك لم تشف بعد!
الحرب التي تخوضها مع عقول الناس وألسنتهم، بأنك لو كنتَ قويًا لأوجعتَ الآخرين كما أوجعوك، وأن العفو أحيانًا ما هو إلا ضعف يرتدي زيّ الصفح!
دعك من ثلاثتهم: شيطانك، ونفسك، والناس!
وجاهد ليبقى قلبك ناصعًا، الخسارة الوحيدة التي تجعل كل الهزائم تافهة هي خسارتك لنفسك! والنصر الوحيد الذي يجعل كل الهزائم تافهة هو أن تكسب نفسكَ! ما عدا ذلك كرّ وفرّ، وحرب سِجال، النصر والهزيمة فيهما وجهة نظر ليس إلا!
وقل لي بربك عندما نردُّ الصفعة بالصفعة، والطعنة بالطعنة، والغدر بالغدر، متى ينتهي الصفع والطعن والغدر بين الناس!
قل لي بربك عندما تُنازل الخسيس بسلاحه الذي نازلك به بمَ تختلف عنه؟! لا شيء، اللهم غير أنه كان البادئ والخِسة كردة فعل لا تختلف كثيرًا عن الخِسة كفعل ابتداء!
قل لي بربك، عندما يملي عليك الناس أن تمارس انتقامك فتمارسه، وعندما يغرونك بخوض حربٍ المنتصر فيها يخسر نفسه ولا يكسب الآخر، ما الذي يبقى لك منك؟!
إن هذه الحياة تضع قلبك كل يوم على المحك، تغريه بعشرات الملوثات! وتثرثر في أذنك أحاديث الكرامة في غير موضعها! وتزين لك معارك سهلة المغنم! أية غنائم هذه التي تعوضك نقاء قلبك إن هو تلوث؟!
عندما فتح النبي صلى الله عليه وسلم مكة، كانت فرصته سانحة ليرد الصاع صاعين، وليحاربهم بنفس أسلحتهم، وواللهِ لو أمر بذبح أهل مكة كلهم ما خالفه من أصحابه أحد، ولربما ما لامه من الناس أحد، لقد كانت حربًا، ودأب الفاتحين أن يستبيحوا المدن التي يفتحونها، هذا ما يقوله تاريخ البشر الطويل في الحروب، ولكنه كان يعرف أن نصره الحقيقي هو أن لا يكون مثلهم!
ما نسيَ سمية وحربة أبي جهل مغروسة في بطنها!
ولم ينسَ أنين بلال وأمية بن خلف يجلده وهو ممدد على رمال مكة الملتهبة!
ما نسي يوم أحدٍ كيف بقروا بطن عمه حمزة!
وما نسي كيف جمعوا من كل قبيلة رجلًا ليقتلوه ويتفرق دمه بين القبائل!
ولا كيف خرج تحت جنح الظلام مهاجرًا عن أحب بلاد الله عليه!
ولكنه ترفّع عنهم، وجاهد لنقاء قلبه ونقاء قلب أمته، وعندما قال لهم: اذهبوا فأنتم الطلقاء!
إنما كان يقول لهم نحن لسنا مثلكم، وديننا خير من دينكم!
بقلم : أدهم شرقاوي
copy short url   نسخ
13/09/2018
3447