+ A
A -
بقطع النظر عن التهديدات الخارجية التي تعتبر اليوم أهم تحديات المنطقة العربية والتي لا تقتصر على بلد أو نظام دون آخر، فإن التهديدات الداخلية تعتبر في نظر الكثيرين السبب الأساسي لأزمات المنطقة التي لا تنتهي. لا نقصد بالتهديدات الداخلية الملفات المتعلقة بالإرهاب أو تلك المتعلقة بالتنمية بشكل عام، بل تتمثل التهديدات في الخلافات العربية البينية التي صارت اليوم على رأس المخاطر التي لا تنفك تتفاقم وتهدد المنطقة بمستقبل غامض.
إن أول ما يميز هذه الخلافات هو أنها تتعلق بحسابات ضيقة لأنظمة بعينها تسعى إلى فرض أجندات فردية على حساب المصلحة الإقليمية للمجموعة التي تنتمي إليها. فأزمة النفوذ والنفوذ المضاد في الخليج العربي بشكل خاص هي التي تقود المنطقة وتتحكم في طبيعة أدائها السياسي بشكل عام وهي التي تتسبب في الأزمات المسلحة وغير المسلحة في دول عربية كثيرة. فالحرب في اليمن مثلا أو الصراع المسلح في ليبيا أو أزمة الحكم في لبنان أو مسارات الثورة السورية المتعثرة أو حصار قطر إنما تشكل انعكاسا طبيعيا لهذه الحسابات.
لا يمكن بذلك أن نفصل تواصل الأزمات العربية عن الخيارات الإقليمية للدول العربية ومشاريعها السياسية في هذا البلد أو ذاك. فعوض أن تكون الوساطات العربية والتدخلات السياسية - سواء كانت من طرف دولة ما أو من طرف مؤسسة عربية كجامعة الدول - عاملا معدلا للمشهد السياسي ومانعا للفوضى صارت على العكس من ذلك جزء من الأزمة وعاملا مؤججا للصراع الإقليمي والداخلى المحلي على حد سواء.
هذا العجز المؤسساتي من ناحية أولى والعجز السياسي من ناحية ثانية، هو الذي يجعل من التدخلات الخارجية ممكنة بل ويساهم في جعلها حتمية. بناء على ذلك تتحالف التهديدات الخارجية مع الأزمات الداخلية لتضاعف من أزمة المنطقة وتجعل منها رهينة لمشاريع الخارج. ليست حرب اليمن إلا المثال الأكثر دموية عن تقاطع الفشل العربي الرسمي مع التهديدات الخارجية وليس حصار قطر إلا الوجه الآخر لدور الخلافات المحلية في إضعاف المحاور الإقليمية العربية بما أخر خطوط الدفاع ضد المشاريع الخارجية.
إن رغبة السيطرة الجامحة التي تسكن بعض الأنظمة الخليجية والتي نجحت في جرّ الدولة الخليجية الأكبر إلى نطاقها بدءا بتفعيل الانقلاب في مصر والحرب على اليمن وحصار قطر وتمويل الثورات المضادة تعد اليوم أخطر الظواهر التي تهدد كامل البناء العربي بالانهيار خاصة بعد تحالفها المعلن مع المشاريع الخارجية المعادية للأمة والمعادية لتطلعات شعوبها.

بقلم : محمد هنيد
copy short url   نسخ
27/09/2018
3547