+ A
A -
في الخطاب الأممي الثاني منذ اندلاع الأزمة الخليجية، استحضر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني أمير دولة قطر إعادة ثوابت السياسة الخارجية، خاصة في قضية إنصاف الشعوب العربية والموقف من الانحياز الدولي ضد قضايا الشرق، وهي مسألة مستمرة في البلاغ القطري العام، وأحد عناصر الكسب للشارع العربي الإسلامي، من قِبل الدوحة، الذي قد يختلف في تقييم بعض مسارات مشاركات الدوحة، ولكنّه لا يختلف على أن مظلتها الإعلامية كانت قريبة من وجدان الشارع العربي والمسلم، منذ التأسيس الثاني لقطر 1995.
والارتياح القطري العام بعد الخطاب وقبله، هو أمرٌ مبرّر، وخاصة في ظل الرسائل التي يبعثها الجمهور العربي، رغم الحملة الشرسة تجاه شخص سمو الشيخ تميم، وهو تطور متزايد للغاية، في تجاوب الرأي العام وحتى داخل الجمهور الخليجي في دول المحور، تجاه صفات النبل التي تتضح في مواقف وأحاديث سمو الأمير.
لكن من الواضح قبل وبعد خطاب الأمم المتحدة، أن الأمير وفريقه الاستراتيجي، باتوا على إدراك تام بمسألة حسّاسة للغاية، وهي كيف ستتعامل الدوحة مع المؤسسات العالمية، وتُواصل مشروعها القديم في الدبلوماسية الشعبية، عبر هذا الرواق ذاته، الذي خططت دول المحور أن يكون ظهيراً لها، خاصةً عبر نفوذ واشنطن في منصة مجلس الأمن الدولي.
وما نعنيه هنا، هو كيف ستتعامل قطر، مع مشاريع الغوث الإنساني، ومد اليد والجسور لدعم قضايا الإنسان العربي والمسلم المحاصر، لمجرد انتمائه الديني، ولأجل قضايا كرامته، خاصة بعد موسم انكسار مرحلي لكل أطياف الغلو المسلح، وانكشاف مساحة التوظيف المعقدة لهذا الخطاب، وأن مواسم الدول العربية السابقة في استخدامه، دخل مساحة خطر جديدة، وتقدير شعبي إسلامي متنامٍ، بأن حصيلة هذه الرحلة مليئة بالكوارث، وأن نفوذها لوسائل الإعلام، كنقل لردة الفعل المتشددة على بغي الغرب، يُستخدم في تعزيز ذات المشروع العنصري المتطرف ضد الشعوب المسلمة.
هنا يلتقي النبض القطري مساراً مهماً في تفكير الشعوب المسلمة، وفي ظلال عودة حركة الإحياء الإسلامي إلى أرض الشرق من جديد، بعد فشل الحركات الحزبية الإسلامية المظلومة، والمعتدى عليها بكل تأكيد، غير أن جزءًا من كارثة الشرق كان بعضه، تحت اجتهاداتها الخاطئة.
ماذا تعني هذه المراجعات للمستقبل القطري، وما علاقة الدوحة بالتجاذب الإعلامي، أو بصعود الأممية الوهابية المعارضة مقابل الموالية، والاحتشاد السلفي المختلف مع السياسة السعودية وفريقها الموالي، وبقية الأطياف ذات الشأن، إن المسألة هنا ترتبط بموقف الحدث الذي تعيشه قطر، لكنه ليس بعداً استراتيجياً في تقديري.
وما أقصده هنا، من أن تضامن بعض تلك الأطياف مع مظلمة قطر، لا علاقة له بهذا البعد الاستراتيجي الجديد، الذي لا أعرف أو أجزم باعتماده، في خطة فريق سمو الأمير الاستراتيجية، لكنني أرجح بأنه مطروح على الطاولة ومهتم به.
إن المستقبل القطري الأممي اليوم لديه مساحة مهمة، بعد أن سَلِمت الدولة من خطط إسقاطها المتعددة، ومع مشروع نهضة إنسان قطر والبناء على نجاحه، الذي يُفترض أن يتزامن بتهيئة في 2019، فإن البعد العربي والإسلامي والإنساني، مرشّح أن يتحد في خطة الدوحة الأممية.
إن التعاون مع الأمم المتحدة ليس جديداً، وإن كان مشروع مواجهة الكوليرا في اليمن الممتحن، هو اختيار نوعي دقيق للدوحة لهذه الشراكة، لكننا بصدد توسعة هذا المفهوم بصورة أوسع على طاولة القرار القطري الجديد.
من فوائد الأزمة الخليجية لقطر، هو دفعها الذي ظن خصومها أنه في صالحهم، إلى الخروج أو العمل للخروج، من ملفات اشتباك عربية صعبة للغاية، وهو ما سهّل على الدوحة تحييد تبعاتها، ونقصد بذلك اليمن وسوريا وليبيا، فهنا يُطرح سؤال، هل هذا يعني عدم دعم موقف الشعوب وطموحها للنهضة والعدالة في أوطانها، وهو ما تعلنه دولة قطر منذ التأسيس الجديد.
ونجيب كلاّ..
إن حاصل اليوم المروّع والذي يقتضي دراسات عميقة، للأمراض الفكرية والخطابية، والتلاعبات المخابراتية، التي ساهمت في تمكّن نكبات الشرق، وسقوط الربيع العربي، يقتضي أن يُعاد فرز معنى الدعم والكسب المعنوي للشعوب، وأن ميدان الدعم لا يمّر عبر المشاريع السياسية السريعة مع الاتجاهات الحزبية أو الدول، وإنما مع ما يمكث في الأرض وتباركه السماء، فهذه الثلاثية يفترض أنها في قلب الميزان القطري للمستقبل، على الأقل في تقديري كباحث مستقل:
1- تقدير ظروف الدولة القومية، وأمنها الاستراتيجي، والتحرّك بحذر في ظل الترصد الخليجي الإسرائيلي المزدوج.
2- نقل المشروع الأممي الإنساني للدوحة، مع الشرق المسلم والوطن العربي، إلى شراكات بنية أرضية تنموية وثقافية، تدعم الاستقرار المؤدي للتقدم، وخطاب النهضة، بغض النظر عن أن هذا المشروع يتقاطع مع مؤسسات شعبية، مرخصة في قانونها الوطني في كل بلد، أو كان مع حكومات ومؤسسات رسمية.
3- هو أن فكر الملاعنة للمؤسسات الدولية التي قد تلحق بخطاب بروبغندا بعضه يدافع عن قطر، لا علاقة له بهذه السياسة، وإنما بثنائية دقيقة، وهي ضمان وصول الدعم الإنساني إلى الجهات المحرومة والمستهدفة.
ومهم هنا أن نذكّر بأن هذه المؤسسات ليست نزيهة، وأن التوظيف المزدوج سلباً وإيجاباً، يترنّح بحسب قوة تدخل القرار الغربي العنصري والمتطرف، كما جرى في قضية الأونروا.
غير أن هذا الموقف لا ينسحب بالضرورة على كل مشاريع المظلات الأممية، مع الحاجة للتفريق بين مجلس الأمن الدولي، الذي قام على مواصفات تفوق عسكري، لا علاقة له بالضمير الإنساني العالمي، وبين الأمم المتحدة كتجمع عالمي.
ولقد تضرر الشرق من خطاب التعميم، وعدم انتهاز الفرص التي يمكن أن تُخلق لصالح الشعوب المحرومة أو فض النزاعات لصالحها، من خلال التعاطي الإيجابي الذكي، الذي ينتقي أين مساحات الشراكة، في ظل قهر دولي حاشد ضد قضايا المسلمين، وضعف إمكانياتهم.
والثاني أن الشراكة الأممية بحضور قطري دقيق، يراعي فيه إشكالية الفساد في المنظمة الدولية، هو بحد ذاته شراكة عالمية لقطر، تدعم أمنها القومي لوجستيا، وتضمن أن يواصل مشروعها في الدبلوماسية الشعبية طريقه، دون فواتير سياسية مكلفة.
سيبقى هنا استشكال رئيسي، كيف تُخلق في المؤسسات الإعلامية الكبرى لمشروع قطر 1995، ذات الحضور الدولي الحسّاس لغة تناغم، تراعي مشاعر الشعب العربي المغبونة، وتنقل جراحها، لكن بلغة وعي وخطاب نهضة يقول لشعوب الأمة، إن الطريق من هنا، وحسبنا أن نقدم لكم منصة خبر صادق، ورأي نجتهد فيه لنقل الوعي الجديد لنهضة الأمة، دون أن نستثير بركان عاطفة سلبي يزيد معاناتكم، والذي لن يفيد قطر ولا الشعوب المقهورة.
بقلم : مهنا الحبيل
copy short url   نسخ
01/10/2018
2839