+ A
A -

منذ سقوط رأس النظام السابق زين العابدين بن علي، ودخولها إلى مرحلة جديدة سمتها تكريس الديمقراطية وبناء منظومة حقوقية، ظلت تونس تراوح مكانها في معالجة مشكلات النزاع الحزبي والتجاذب السياسي المتواصل. ورغم الخطوات المهمة المتعلقة بصياغة دستور جديد وتنظيم محطات انتخابية متتالية تقوم على التعددية والشفافية من حيث النتائج فإنه من الصعب القول أن هذا البلد استطاع مجاوزة الإرث السياسي لزمن الاستبداد.
فمع الانتخابات الأولى لسنة 2011 استعاد الوسط السياسي في تونس نزاعات سياسية متوارثة عن الحقب الماضية سواء التجاذبات الإيديولوجية بين التيارات المتناقضة والمتصارعة أو عودة بقايا النظام القديم إلى المشهد لاستعادة نفوذهم الذي تخلخل بفعل الثورة وإطاحة رموز مرحلة الاستبداد. فالقوى الحزبية المؤدلجة التي توصلت إلى توافقات قبل الثورة في إطار ما عُرف في حينه باتفاقات 18 أكتوبر 2006 عادت إلى التنازع من جديد بعد الثورة وبشكل اشد شراسة.
فالجبهة الشعبية التي تضم قوى اليسار تحركت زمن حكم الترويكا من أجل إجهاض الحكومات المتتالية التي تولت السلطة حينها واستخدمت كل الأدوات المتاحة من اجل إحراج خصومها الحزبيين وإطاحة حكمهم، وما زاد من توتر الوضع حينها هو عمليتا الاغتيال المتواليتان وذهب ضحيتهما كل من شكري بلعيد ومحمد البراهمي ولينشأ تكتل سياسي يضم قوى اليسار وبقايا النظام القديم الذين تشكلوا حينها تنظيميا في إطار حزب نداء تونس لتنتهي المرحلة بوفاق وطني أدارته حكومة انتقالية نظمت انتخابات 2014 أفرزت خريطة سياسية جديدة أهم ما فيها صعود حزب نداء تونس إلى السلطة وما تبعه من توافق حكومي مع حزب النهضة الخصم السياسي الذي كان يطالب برأسه قبل 2014.
اليوم تعود الساحة إلى تجاذباتها القديمة/ الجديدة ومن خلال تقنيات صراع متماثلة، بداية من إعلان رئيس الجمهورية عن فك الارتباط السياسي مع حركة النهضة وعودة الجبهة الشعبية إلى الحديث عن مسؤولية النهضة عن الاغتيالات السياسية، وهي خطوات لا تخرج عن دائرة الصراع السياسي في أفق الانتخابات المقبلة لسنة 2019، وهو ما يعني أن حلم الجمهور الواسع من الشعب بخروج الأحزاب عن دائرة صراعات المواقع ومعارك الإيديولوجيا إلى دائرة البرامج ووضع الخطط الكفيلة بإخراج البلاد من أزماتها الاقتصادية والاجتماعية لازال حلما بعيد المنال.
غير انه من الأكيد أن المشهد السياسي لم يعد كما كان زمن حكم الترويكا، فنداء تونس أصبح شبحا للحزب الذي كان في مقابل تصاعد النفوذ السياسي لرئيس الحكومة يوسف الشاهد وما تشكل حوله من ائتلاف سياسي هو في الواقع نواة لحزب مقبل يرغب في الاستمرار بحكم البلاد في المرحلة المقبلة وهو ما يفترض توافقا جديدا مع حزب النهضة ولكن هذه المرة بحسابات مختلفة.
بقلم : سمير حمدي
copy short url   نسخ
13/10/2018
1664