+ A
A -
أدهم شرقاوي
كان الشاعر «اليَشْكُرِيُّ» من أصدقاء الحجاج بن يوسف الثقفي المقربين، ثم حصل بينهما خلاف لا رجعة فيه، وصار اليشكري مع ابن الأشعث الذي ثار على الخليفة والحجاج، وكان من أشد الناس تحريضاً عليهما، واستمر الحال كذلك، حتى قُتل اليشكري وجيء برأسه مقطوعاً إلى الحجاج.
فلما نظر إليه قال لمن حوله: كم من سرٍّ أودعته هذا الرأس، فلم يخرج منه حتى أُتيتُ به مقطوعاً!
وعلى الوجع في القصة، وعلى قذارة السياسة والفتن وصراع الكراسي والاستهانة بالدماء، إلا أن ثمة وفاء لا يمكن القفز عنه، فقد انتهت صداقة الرجلين وصار كل منهما في خندق، بقيت أسرار الحجاج في رأس اليشكري أسراراً، وبقي الحجاج على خلاف السياسة مع اليشكري يعترف له بنبل أخلاقه!
في بداية العلاقة تظهر المشاعر وفي نهايتها تظهر الأخلاق!
قيل إن أحد النبلاء تزوج امرأةً فلم يتفقا، فقيل له ما السبب؟
فقال: لا أتكلم عن عرضي!
فلم يلبث قليلاً حتى طلقها، فقيل له ما السبب؟
قال: لا أتكلم عن امرأةٍ خرجتْ من ذمتي!
والشيء بالشيءِ يُذكر، وصلتني منذ أيام صورة رسالتين من زوجين قد تطلقا، فوددتُ من فرط النبل والأخلاق التي فيها أن تُطبع على كتب الأحوال الشخصية والمدنية، وأن يُوزع منها نسخ لكل زوجين جاءا إلى المحكمة يريدان الطلاق!
كتب الزوج إلى زوجته السابقة يقول:
أسعد الله مساءكِ يا أم فلان! تم بحمد الله توثيق انفصالنا في المحكمة، وسيتواصلون معكِ لأجل استلام ورقة الطلاق، أتمنى لكِ التوفيق في حياتك، واستري ما واجهتِ مني!
فردتْ عليه تقول:
لم يواجهني منك إلا الخير والرقي والتفهم والتفاني والتضحية! أعتذرُ لأني لا أستحقك!
كان أول شيء سألته لنفسي بعد أن قرأت هذا الكلام: اثنان بهذا النبل لماذا تطلقا؟!
طبعاً البيوت أسرار لا يعلمها إلا الله ثم أهلها، وطلاق زوجين لا يعني بالضرورة أن أحدهما سيئ، يحدث ألا يتفق الناس على نبلهم، ولكن الشاهد في الموضوع، لماذا علينا بعد كل طلاق أن نرى الردح في مواقع التواصل أمام الناس، لماذا يجب أن تنفصل العائلات بانفصال زوجين، لماذا على الأولاد أن يكونوا ضحية راشدين لم يتفقا؟!
يحدث أن تقع قطيعة بين صديقين، وخلاف بين زميلين، وهجران بين شريكين، وخصام بين عائلتين، وفراق حتى بين دولتين، هذه الأشياء تقع دوماً، هذه هي الحياة وهذه الأشياء جزء منها، ولكن وقوع هذه الأشياء شيء، والفجور في الخصومة شيء آخر!
بالنسبة لي أنا لا أحكم على أخلاق الناس وهم في وئام، لأني أعرف أن أخلاقنا الحقيقية تظهر عندما نتخاصم ونفترق، لا تحكم على أخلاقي إذا أحضرتُ هدية لزوجتي والأمور بيننا على ما يرام، احكم على أخلاقي إذا وقع بيننا خلاف، تصرفاتي وقتها هي أنا حقيقة! وهكذا أنا لا أحكم على برك لوالديك وهما ثريان صحيحان ترجو منهما مالاً وعطاءً، وإنما يظهر برك إذا كانا فقيرين مريضين، هما في حاجتك وأنت في غنى عنهما، إن النبل أيها السادة هو نُبل الاختلاف لا نبل الاتفاق!
بقلم : أدهم شرقاوي
copy short url   نسخ
16/10/2018
10155