+ A
A -
- سمير حمدي
لم يكن يتصور ولي العهد السعودي محمد بن سلمان والدائرة الضيقة المحيطة به أن يكون لحدث اغتيال الكاتب جمال خاشقجي كل هذه التداعيات على المستوى الدولي. فمنذ اختفاء هذا الصحفي في قنصلية بلاده باسطنبول في الثاني من شهر أكتوبر الحالي تطورت الأوضاع بما يشبه كرة الثلج، متسببة في أزمة سياسية واسعة سيكون لها آثارها على نظام الحكم في المملكة السعودية دون شك، وقد بدأت تتجلى في مواقف وردود أفعال مختلفة، شملت قوى مؤثرة ونافذة تلعب أدوارا في تحديد مصير العرش السعودي.
منذ وصوله إلى منصب ولي العهد وتحوله إلى الحاكم الفعلي للمملكة وتمتعه بصلاحيات واسعة باعتباره وليا للعهد ونائبا أول لرئيس الوزراء ووزيرا للدفاع، اتخذ محمد بن سلمان جملة من الخطوات السياسية غير محسوبة العواقب، تكشف عن شخصية اندفاعية تحاول الهيمنة على كل ما تطاله يده، حتى وإن أدى إلى أثار كارثية وانعكاسات سيئة على المسار السياسي السعودي.
فقد أعلن الحرب على اليمن دون مراعاة الخريطة الحزبية والقبلية هناك، خاصة أن المملكة لعبت دورا سلبيا في إفشال الثورة اليمنية والدفع بها نحو الاحتراب الداخلي، ولتنتهي في آخر المطاف إلى جزء من الصراع العسكري هناك، وحالة حرب الكل ضد الكل التي لا يبدو أن هناك أفقا قريبا لنهايتها.
وكان ابن سلمان قد تعهد بالسيطرة على المشهد اليمني في غضون أسابيع قبل أن يغرق في وحل الحرب اليمنية إلى حد اللحظة.
ومواصلة لذات سياساته المتهورة.. عمد إلى تنفيذ حملة واسعة ضد كل من يخالف سياساته، من خلال سجن ناشطين سياسيين وحقوقيين ودعاة ورجال دين، بالتوازي مع الحملة ضد أمراء الأسرة الحاكمة من أبناء عمومته وكل المنافسين المفترضين على العرش، لينتقل بعدها إلى إعلان حصار سياسي واقتصادي ضد الجارة قطر، من خلال تشكيل حلف يضم أنظمة دول أخرى هي الإمارات والبحرين ومصر.
إن حادثة اختطاف جمال خاشقجي، وما تبعها من زلزال إعلامي وسياسي، كشفت عن حدود السلطة التي يتمتع بها ولي العهد السعودي وحجم عجزه عن إدارة الأزمات التي كان هو ذاته المتسبب في اندلاعها، والمعلوم أن كثيرا من التحولات التاريخية المهمة كان فتيل اشتعالها يكمن في حدث طارئ في مسار الأحداث على نحو ما جرى من اغتيال ولي عهد النمسا سنة 1914، والذي أشعل الحرب العالمية الأولى، أو حدث إحراق محمد البوعزيزي نفسه، والذي أطلق شرارة الثورة في تونس وما تبعها من أحداث واسعة في المنطقة العربية برمتها.
لقد أساء ابن سلمان تقدير الظروف المكانية والزمانية لاقتراف جريمة الاغتيال في القنصلية، كما لم يقدر مستشاروه أهمية الشخص المستهدف، فلو لم يكن جمال خاشقجي صحفيا معروفا، وله شبكة علاقات واسعة في مجال الإعلام الدولي والأوساط الدبلوماسية، لكان من الممكن أن تمر جريمة اغتياله دون كل هذه الضجة الواسعة.
كذلك فإن تنفيذ عملية اغتيال بشعة على أرض أجنبية تكشف عن عدم احترامه للأعراف الدبلوماسية والقوانين الدولية بشكل ورّطه أمام الدولة التي تمت على أراضيها الحادثة، ونعني بها تركيا، ليعجز في النهاية عن احتواء أثار الحادثة وما ترتب عنها من ردود أفعال، جعلت منه هدفا لنقد إعلامي وسياسي غير مسبوق، وليُدخل المملكة السعودية في أزمة لم تعرفها في تاريخها من قبل.
لقد انتصر القلم الحر على قاتليه، ورغم جهود التعتيم على الجريمة بداية، ثم الانتهاء باعتراف مضحك بالمسؤولية عن اغتيال الكاتب الشهيد، فقد أصبح واضحا أن عمر جمال خاشقجي سيكون أطول من عمر قاتليه، وأنهى بموته طموحا أهوج كان يسكن ولي العهد السعودي، وبشكل لم يكن يخطر على بال أكثر المحللين السياسيين قدرة على الاستشراف. وتظل الأيام القادمة حبلى بتطورات متسارعة، قد تفضي إلى تحولات في المشهد السعودي، أو على الأقل ستضع حدودا لتهور حاكم السعودية المطلق، الذي سيجد نفسه مجبرا على مراجعة الكثير من حساباته الخاطئة، وقديما قيل «يفعل الأحمق بنفسه ما لا يفعله العدو بعدوه».
.. رحم الله جمال خاشقجي.. فقد كان أعظم من الحياة.
بقلم : سمير حمدي
copy short url   نسخ
24/10/2018
2230