+ A
A -
مهنا الحبيل
لم يتوقع أسوأ المتشائمين من فريق ولي عهد أبو ظبي، المعادي الشرس لقطر والربيع العربي والإسلاميين، والطموح للتحول الإمبراطوري في المنطقة، أن تجري الرياح بما لا تشتهيه سفنه، لتنقلب عليه وعلى مشروعه الضخم، الذي تلاعب بتاريخ الدولة السعودية، وشرد قوة أسرتها الحاكمة، ونظّم عبر فريق سعودي مباشر له، إعداد ملف مركزي قوي يضمن مصالحه متوسطة المدى في السعودية.

وكان استهداف قطر، بتوظيف (الوحش) السعودي لاجتياحها عسكرياً، أو سياسياً هو أحد عناصر الوصول إلى هذه المرحلة، وعمل فريقها السعودي، على تشجيع خطة ولي العهد، بعد أن أعاد طرح الملف الذي أعده لخالد التويجري، رئيس الديوان الملكي السابق، للمواجهة الداخلية مع التيارات الدينية والإصلاحيين بكل توجهاتهم، لكن كانت سياسة الملك عبدالله، حذرة جداً من إفقاد الدولة السعودية توازناتها، فأوقف سياسة الديوان عند حد معيّن، وإن كانت سياسة الاستبداد قديمة وعريقة في المملكة.
غير أن ما يجري اليوم، تجاوز الأزمة الخليجية، وأظهر الدوحة في مشهد المنتصر، الذي يُشير إلى أنها من ضحايا نفس السياسة، التي انتهى لها الموقف الدولي، على الأقل في تغطيته الإعلامية وموقفه السياسي الحاشد، في قضية الشهيد جمال خاشقجي.
وهو ما جعل الحسابات تنقلب كلياً، وتفتح الأبواب على توجهات اضطرارية للرياض، خاصة في توثيق علاقتها مع الرئيس أردوغان وفريقه الخاص، والذي قد يتفاعل في عدة اتجاهات.
ولنا أن نتصوّر كيف كان موقف أبوظبي، مؤيداً للحرب الأهلية في كل بلد يكون فيه الإسلاميون والربيع العربي طرفاً، وكيف سيكون وضعها، مع أي تعديل على هذه السياسات، كمصالحة نسبية بين النظام المصري والإخوان، بعد أن مثلت أبوظبي واجهة عداء لشريحة واسعة من شعوب الخليج، خاصة التيار الديني السني، وتحول الأمر إلى ثأر اجتماعي شعبي بينها وبين ضحاياها من الشعوب.
وهناك اعتراض يرد على هذا الطرح: بأن الرياض كانت شريك مباشر رسمياً، فلماذا تخصص أبوظبي؟
وهذا صحيح غير أنّ أبوظبي هي الصانع، للخطة الأساسية لمواجهة الإسلاميين والربيع العربي، وإعداد سيناريو ضخم لمستقبل الشرق الأوسط، دون هوية إسلامية تمنع التطبيع مع الصهيونية كأيديولوجية، تتهاوى أمامها اليوم كل دول الخليج العربي، ولسنا في معرض الجزم بنهاية التصعيد بين السعودية والمؤسسات الأميركية.
ولن نُسقط هنا تقييم واشنطن الخاص، من مشروع أبوظبي، والذي رأته شريكاً لمصالحها في إعادة بناء الشرق الأوسط الكبير، وضمان إعاقة أي مفاهيم أو كفاح مدني، يؤسس على المشاركة الشعبية، التي تهدد النفوذ الغربي المطلق وحلبه المستمر من المنطقة.
فجموح أبوظبي تجاوز كل سقف، وهنا يبدو اليوم منكشفاً أمام مستقبل السياسة السعودية، التي يحرص فيها ولي العهد على تثبيت موقعه واستلام الحكم، لكن دون أن يكون ذلك مرهوناً بمشروع أبوظبي ورفيقها كوشنير، وقد تتطور تصفية فريقها السعودي المشارك في اغتيال الشهيد خاشقجي، إلى مواجهة محدودة معها مستقبلياً.
فأين الدوحة من كل ذلك، يبدو الإرث ثقيل جداً، وحاجة الدوحة التي تعزّز موقفها من فك الاشتباك مع الرياض ليس كأبوظبي، التي ركزت على استهداف الأسرة الحاكمة وعرض أهل قطر، من أقرب موقع لولي عهد أبو ظبي، من خلال التغريدات المنحطة لحمد المزروعي، وبقية الفريق الأمني.
فسجل الحسابات القطرية، وإن كان يضع ميزاناً سياسياً عاماً، يتعامل به مع الأنظمة التي ترغب في تصحيح العلاقات مع الدوحة، غير أن سجل آل نهيّان أصبح صعباً مع وجود ولي العهد الحالي، كما أن مكانة دبي السابقة انهارت، وبقية شيوخ الإمارات فقدوا شخصيتهم القيادية التي نص عليها الدستور الدائم، ووثيقة إطلاق الاتحاد، فمن سيصحح المسار مع الدوحة؟
يبدو لي أن موقفاً قطرياً لا يُسقط حسابات المصالح الكبرى سيبقى قائماً، ولا أظن أن تصفية أبوظبي للمزروعي أو غيره، قد تكفي، لكننا في مرحلة مراقبة لموقف الدوحة بعد هزيمة أبوظبي المذلة أمامها، نعم لم يكتمل مسرح الأحداث، لكن دلالة تصدع نسخة مشروعها الضخم تزداد معالمه. ولقطر فرصة واسعة لجدولة واقعها الخليجي، وتملك مع ذلك مفصلاً حسّاساً جداً لو تطورت الأحداث، وتم فك الاشتباك مع الرياض، الذي قد تشترط فيه الدوحة عدم قرنه بأي موقف من أبوظبي، وبالتالي خيارات الرد المستقبلي مفتوحة على كل الأمور.
بقلم : مهنا الحبيل
copy short url   نسخ
04/11/2018
3335