+ A
A -
يبدو أن القوى السياسية المصرية على اختلاف أيديولوجياتها ومدارسها قد تعودت على منهجية الخلاف ولم تحاول أبدًا تعلم ثقافة الاختلاف والفارق شاسع، ففي منهجية الخلاف ذهاب الريح وضياع الهدف وقلة البأس وانعدام المردود وارتفاع الكلفة والخسائر، وفي ثقافة الاختلاف تكون النجاة والنجاح عبر تقبل المخالفين في الرأي والمشاركة ووحدة الهدف للوصول لدولة ديمقراطية يكون شعبها صاحب القرار الحقيقي فيها. العجيب في الأمر وما تتغافل عنه القوى الثورية بكافة توجهاتها وهو عامل أكثر من كافٍ لتوحيد صفوفها أن السيسي لا يفرق في خصومته مع المعارضين لنظامه الانقلابي رغم تباين الوسائل واختلافها في البطش بهم وتدرجها في العنف والقسوة التي تزداد من حيث الكم والكيف كلما اقترب المعارض له مما اصطلح على تسميته بمعسكر الشرعية (مناصري الرئيس محمد مرسي)، فهم وإن اختلفت تياراتهم السياسية ومدارسهم الفكرية وتدرجت مواقفهم من مناوئة النظام برمته منذ البداية متمسكًا بخيارات الشعب عبر صناديق الاقتراع مرورًا بمن هم ضد الانقلاب ونظام الرئيس محمد مرسي معًا ممن يطلق عليهم أنصار (لا عسكر ولا إخوان) وصولًا لمن اعترف بمخرجات ثورة 30 يونيو -المزعومة- وانقلاب 3 يوليو 2013 بل وكان من المشاركين في كليهما ولكن اتضحت له النية الحقيقية لنظام السيسي فجهر بمعارضته وانضم لقائمة المطالبين برحيله. ربما يغيب عن كل صنوف المعارضة المصرية أن المعركة السياسية مع النظام الانقلابي أصبحت فعليًا تراكمية وتحتاج لنفس طويل وجهد مضاعف بتركيز أكبر نظرًا لصعوبة الحشد الشعبي حاليًا لإزاحة النظام كما حدث في ثورة 25 يناير 2011 وإن كان هذا لا يعني أن الأوضاع الداخلية أو أسباب الثورة قد تلاشت أو نقصت أو أن النقمة الشعبية على النظام القائم أقل حدة واستعدادًا وأسبابًا للخروج ضده، على العكس فالأوضاع الحالية أسوأ بكثير عما كانت عليه قبل ثورة يناير في كافة النواحي ومختلف المستويات، لكن الاختلاف هنا والعنصر الأهم الذي تفتقده التكتلات المعارضة هو توحيد الصفوف -مع عدم إغفال وحشية النظام ومنظومته الأمنية بكافة فروعها-، فعندما خرجت الجموع إلى الشوارع في ثورة يناير لم يلتفت أحد بالمرة لخلفية رفيق الميدان السياسية أو انتمائه الفكري أو دوافع خروجه حينها لم يستطع المخلوع مبارك رغم تمكينه لنفسه ولنظامه في كافة مؤسسات الدولة على امتداد ثلاثة عقود من الوقوف في وجه موجات الشعب الثائر ولم تفلح كافة جهود أجهزة الدولة وقتها في احتواء غضب الشارع لتضطر في نهاية المطاف للتضحية برأس النظام ونخبته المقربة والظاهرة العداء للشعب لتتمكن باقي المنظومة من البقاء والاستمرار وتأجيل الانتقام من الثوار إلى حين وهو ما قام به العسكر حرفيًا بعد الانقلاب. من السخرية بمكان أن الدولة العميقة في مصر بكافة مكوناتها بتوجيه المؤسسة العسكرية قد قدمت عمليًا وعلى الأرض درسا وافيا ومفصلا في كيفية خوض المعارك السياسية المفصلية والفارقة عبر توحيد الصفوف -على باطلها- وتنسيق الجهود وتناغم التحركات للوصول للهدف والحري بالقوى الثورية المصرية تعلم الدرس وسياسة النفس الطويل وتنحية الخلافات جانبًا للوصول لهدفها النهائي وتخليص مصر من القبضة العسكرية السائرة بها نحو الهاوية وإنقاذ ما يمكن إنقاذه. التعلم من الأخطاء في الماضي وتداركها في الحاضر وتلافيها مستقبلًا من أبجديات وركائز العمل السياسي، واتخاذ أخطاء القوى السياسية المخالفة لتحقيق مكاسب سياسية وحزبية هو أمر مشروع ومباح لكن ضمن حدود دولة يسود فيها الدستور ويطبق فيها القانون ويتم الاحتكام لخيارات الشعب صاحب الحق الأوحد في تحديد ومنح تلك المكاسب عبر صناديق الاقتراع وليس في ظل منظومة انقلاب عسكري يتم الاحتكام فيها لقوة السلاح وصوت الرصاص هو من يشكل المشهد ويوزع المكاسب ويحدد المناصب في معادلة الخاسر فيها هو الدولة المصرية برمتها، الحمى والمعضلة الأكبر وقعت حين تم الانشغال بالشريك في المصير المختلف في الرأي عوضًا عن الالتفات والتركيز على الخصم العسكري المشترك القابع في سدة الحكم دون وجه حق بقوة السلاح مستهدفًا الجميع بلا استثناء بشتى أنواع القمع والقهر والإقصاء واقفًا عثرة وسدًا أمام رجوع الدولة لشعبها والحق لأصحابه والثورة إلى مسارها.
بقلم: جمال الهواري
copy short url   نسخ
29/11/2018
1556