+ A
A -
سنوات طويلة مَضَتْ على وتيرة الاستقرار منذُ آخِر عهد للفرنسيين بالثورة الأسوأعلى الإطلاق (1968) تلك التي لم تُغْسَل دماءُ أبطالها الْمُضْرِبِين بَعْدُ، وفي أيامنا هذه ونَحْنُ على مشارف نهاية 2018 يُسَجِّلُ الفرنسيون حضورهم بقوة في مشهد الاحتجاجات المكثَّفة تلك التي جاءَتْ كرَدّ طبيعي على الزيادة في أسعار الوقود.. الوقود! إنها القطرة التي أفاضَتْ الكأسَ، في الوقت الذي جَفَّ فيه صبرُ مَنْ لُقِّبُوا بأصحاب السترات الصفراء، فأَطْلَقُوا العنان للتمرد على سياسة الوقود الجديدة قبل أن يَتَمَادَوْا في العصيان لما شَنُّوا حربا على سياسات إيمانويل ماكرون الإصلاحية دون استثناء.. إيمانويل ماكرون الشاب الوسيم الثلاثيني خَرَجَ عن النص وخالَفَ القاعدةَ منذُ بدايةِ حكايةِ زواجِه بالحسناء الستينية بريجيت ترونيو سيدة الإيليزيه الأولى، وصولا إلى مسلسل التغييرات الجذرية التي يُحاوِل أن يَنزل بها إلى أرض الواقع، لكنَّه لم يَكُنْ يَعرف أنها قد تَكون أرضَ سُقوطه الْمُدَوِّي.. الاحتجاجات الحمراء لِذَوِي السترات الصفراء لم تَعُدْ تَرفض إجراءً تغييريا دون سِواه، في الوقت الذي أعلنَ اشتعال النيران والغاز المسيل للدموع والاعتقالات والشعارات الصارخة الرفضَ القاطِع لشخص ماكرون، ومتى؟! بعد أن انْتَبَهَ الْمُحْتَجُّون إلى أن حَياتَهم أَثْمَنُ مِن أَيّ أرباح تُذْكَرُ مِن تلك التي خَطَّطَ الرئيس ونظامُه لبلوغها، الشيء الذي صَيَّرَ البلادَ غارقة في الظلام لَوْلاَ قناديل ذَوِي السترات الصفراء.. ذَيْلٌ من الفوضى يَجلد عروسَ العواصم باريس في ظِلّ العُنف والعُنف الْمُضادّ.. ولَيلٌ أَسْوَد يَحجب مُحَيَّا باريس التي تَسعى السُّلطات إلى إغلاق كل الْمَنافِد التي تَقود إلى بُرْجِها إيفل وسِواه مِن المتاحِف والمقدَّسات خَشْيَةَ طيشِ طائش أو ثأرِ ثائر أو مَكرِ لئيم.. سؤال واحد كبير يَتَمَدَّد لِتَتَنَاسَلَ فيه الأسئلة: هل مِن السابق للأوان الحديث عن بَوادِر ربيع فرنسي؟! هل نُعَوِّل على ماكرون لِيَكونَ في مستوى التحديات التي تَحولُ دون سُقوطِه؟! هل كان الفرنسيون في حاجة إلى المطالَبة بحقوق والشائع أنَّ فرنسا بَلَد الحريات والحقوق والرواتِب الحَيَّة مِن الْمَهْد إلى اللَّحْد؟! هل كانت سياسات ماكرون تَستحِقّ كُلّ هذه الفوضى الساخِطة على الوضعية؟! هل تَقَمَّصَ ماكرون دَوْرَ «نَرْسِيس» فرَأَى في مِرآته ما لم يَرَهُ الفرنسيون، ومِن ثمة أَوْغَلَ في الارتجال على مَسرح السياسة دُونَ جَسِّ رَدِّ فِعْلِ الجمهور المتفرِّج مِن أبناء الشعب الأَبِيّ؟! هل سيَدخل ماكرون في حِوار مفتوح مع غَيْر عِلِّية القوم كمَدْخَل إلى تَقريب وِجهات النَّظر والإحساس بالمسؤولية تُجاه مَحدودي الدَّخل «الفقراء» الذين نَأَتْ عن أحلامِهم حُكومتُه؟! هل الْمُنْطَلَق إلى الربح يَفرض سياسةَ تَفقير الفقراء لإرضاء المستثمِرين مِن الأثرياء؟! هل مِن تَأثير لِلْأَجُنْدَا الغربية التي قِيل سابقا إنها تُنفَّذ حرفيا، ومَن ذَا الحريص على تَعبئة الفرنسيين بِناءً عليها؟! هل يُمْكِن توجيه أصابِع الاتهام إلى مُرَوِّجِي صفقات الأسلحة تِلْكَ التي لا يُمْكِن الترتيب لِتَوظيفها في الحياة الاجتماعية بَعيدا عن اخْتِلاَقِ أَزْمَة؟! هل كان التفكير في احتمال تَدَخُّل الجيش مُجَرَّدَ إجراءٍ احْتِرَازي، أم كان إعلانا لِفَشَل سياسة الحكومة واعترافا بانْفِراط تَدبير الأمور مِن عقد السيطرة على الموقف واحْتِوائِه؟! هل سيَسمح غربال الثورة الفرنسية الْمُرْتَقَبة بِتَنْحِية اللاعبين غير المدافِعين عن مَرْمَى الإجراءات الْمَصيرية التي قد تُغَيِّرُ فرنسا! هل سَيَتَحَمَّل حِزب ماكرون الخسائرَ المادية والانقلابَ على خَطّ سَيْر الـ«أُورُو» تزامنا مع انهيار اقتصاد رَأْس السنة الميلادي؟! هل ستَسْمَح السترات الصفراء للرأسمالية الْمُتَوَحِّشَة بابْتِلاع الإنسان بِوَصْفِه أَرْخَص سلعة؟! هل مِن اللائِق الاسْتِخْفاف بالسترات الصفراء التي حَرَّكَتْ جَمْرَ الرغبة في إصلاحات جَوْهَرِية تَأسيسية يَقودُها الشعبُ لا النظامُ الحاكِم؟! هل كان غيابُ مَبْدَإ المساواة الفتيلَ الذي أشعلَ ثورةَ الْمُحْتَجِّين في وقتٍ لا تَعرف الحكومة كَيْفَ تَسْعَى إلى نَزْعِه بَدَلَ تَأْجِيج الأوضاع؟! أمْ هُوَ الربيع العربي ظَلَّ يَزْحَفُ ويَتَمَدَّدُ كَخَلايا سَرَطانِية إلى أنْ تَمَكَّنَ مِنْ قَلْبِ باريس؟! وأخيرا، هل ستَنْتَقِلُ العَدْوَى إلى بُؤَرِ تَوَتُّرٍ أخرى مَحْجوب عنها ضَوْءُ المساواة، والعدل، والحرية، لِنَتَحَدَّثَ عنْ إمكانيةِ انْدِلاعِ صَرْخَةِ مَارِدِ رَبيعٍ أوروبي؟! نافِذَةُ الرُّوح: -«لا تُفَكِّرْ في إهداء وَردةٍ لِمَنْ لا يَعرف وردُ الشكرِ كيفَ يَتَفَتَّحُ بين شَفَتَيْه». -«لا تَفْتَحْ صُنْبورَ التنازلات حتى لا تُغْلِقَ بابَ الاحترام». -«لا تَسْمَحْ لِفاشلٍ في الحُبّ بِأَنْ يَنجحَ في إبكائِكَ». -«لا تُجَرِّبْ أنْ تَنفخَ في نَكِرَةٍ حتى لا يَنتهي نهايةَ بالونَة». -«لا تَجْعَلْ قلبَكَ أُرْجُوحةً لِمَنْ يُجيدُ اللَّعِبَ أَكْثَر مِن الحُبّ». -«لا تُحِبَّ أَكْثَر مِمَّا يَنْبَغِي حتى لا تَبْكِيَ أكْثَر مِمَّا يَنْبَغِي». -«لا تَكُنْ وَردةً يَسهلُ شَمُّهَا حتى لا تَذبلَ قَبْلَ الأَوَان».
بقلم: سعاد درير
copy short url   نسخ
10/12/2018
2849