+ A
A -
في ولاية نيفادا بأميركا يوجد حائط يقوم الناس بتفريغ همومهم عليه، وكتابة ما يخشونه، ليتم تنظيفه آخر كل يوم كإشارة أن الخوف والهم يمكن إزالتهما! وكي لا يتهمني أحد بالافتتان ببني الأميركان، وأني أدعو إلى اتباعهم حذو القذة بالقذة، حتى إذا فضفضوا على جدار قلتُ لكم فضفضوا مثلهم، فإني وبعد أن أقول إنه ليس كل ما في الغرب قبيحا، وليس كل ما في الشرق جميلا، أجيئكم بمن لا أُتهم باتباعه، يقول ابن حزم في طوق الحمامة: إنّ الهموم إذا ترادفتْ في القلب ضاق بها، فإن لم يسترح إلى الشكوى لم يلبث أن يهلك غماً! بل وزاد ابن حزم في قوله ما أظنه قد سبق أهل نيفادا إليه حيث قال: وقال بعض الذين اعتزلوا الناس لعدم اطمئنانهم لمن يكتم السر إنه كان ينفرد في المكان النازح عن الأنيس ويناجي الهواء ويكلم الأرض، ويجد في ذلك راحة كما يجد المريض في التأوه، والمحزون في الزفير! فضفضوا يا عباد الله، لا تتركوا الهموم داخلكم تقتلكم، بُثَّ شكواك إلى صديق، وتحدثْ عن مخاوفك مع حبيب، وعن أمانيك الصعبة مع من تثق، لا تتركْ نارك داخلك تأكل حطب صدرك وأنت لا تدري أن الهموم تنهش المرء كما تفعل الضباع الكاسرة في جسد غزال غض طري! ثم فإن عزّ الصديق، وشح الحبيب، وندر من تثق به، خذ ورقة وقلماً، واجه مخاوفك، دوِّن أحلامك، سجِّل أمانيك، ثمة أشياء يجب ألا تبقى حبيسة، سِرْ قرب البحر، تحدث مع نفسك، تأمل كيف أن الموج لا يتوقف إنه ينظف نفسه دائماً، الماء الراكد يأسن، فلا تكن ماءً راكداً! ثم إن فكرة العلاج النفسي التي جاء بها فرويد الذي هو بحاجة إلى علاج، تقوم على فكرة أن يُخرج المريض مخاوفه ومكبوتاته من لا وعيه إلى وعيه، بنفس طريقة جدار أهل نيفادا، وبنفس فلسفة ابن حزم في طوق الحمامة! غير أنه لا بد من نقطة نظام، إياك أن تخلط بين أن تفضفض وبين أن تشكو الله إلى الناس، وقد جاء في العقد الفريد لابن عبد ربه، أن الفضيل بن العياض سمع رجلاً يشكو بلاءً نزل به إلى رجل يجالسه، فقال له: يا هذا، أتشكو من يرحمك إلى من لا يرحمك!
بقلم: أدهم شرقاوي
copy short url   نسخ
11/12/2018
3123