+ A
A -
بالأحمر والأبيض والأسود كفناه حين جاشت مشاعر الشاعر الفلسطيني عز الدين المناصرة وكتب قصيدته في بيروت عام 1982 «بالأخضر كفناه»؛ كأنه استشرف الزمن الآتي الذي سيخرج فيه السوريون واليمنيون والليبيون والعراقيون ليكفنوا موتاهم بكل الألوان وجرحهم الاخضر ينزف. وهذا الجرح الذي ألهم المبدع مناصرة قصيدته: بالأخضر كفّناه بالأحمر كفّناه بالأبيض كفّناه بالأسود كفّناه لا الريح تحاسبنا إن أخطأنا لا الرمل الأصفر لا الموج ينادينا إن خطف النوم أعيننا والورد احمرّ يا دمَهُ النازف إن كنت عذاباً يومياً لا تصفرّ،،، وهذه أغنية لكل شهيد سقط من اجل فلسطين حرة ومن اجل عراق حر ومن اجل سوريا حرة. لكل طفل يمني قتل في باص مدرسة أو على فراشه.. فأغنية المناصرة التي غناها مارسيل خليفة وباتت على كل لسان مشيعي الشهداء الذين تتشابه قصصهم مع قصة من كتب المناصرة قصيدته لأجله. وقصة هذه القصيدة مؤثرة. «فأثناء حصار بيروت عام 1982 كان الشاعر الفلسطيني عز الدين المناصرة في بيروت. وكان زميله بالسكن فدائي أردني.. ولم يكن يعرف الشاعر المناصرة عن هذا الفدائي سوى أن اسمه زياد القاسم وأن زياد له شقيق فدائي آخر أتى معه من الأردن للدفاع عن لبنان.. في تلك الفترة لم يكونوا يسألون عن الاصول والمنابت كثيرا. يقول المناصرة: كنا نعيش معا متآخين همنا الثورة. ويذكر كيف أن والدة الشهيد كانت تحضر إلى لبنان بلباسها الشعبي باللون الأسود كي تطمئن على أولادها. وتقابلنا جميعا بلهفة وتودعنا كما وكأننا كلنا أولادها. استشهد زياد في احدى المعارك البطولية ضد العدو الصهيوني في بيروت.. ومن شدة القصف المتواصل على بيروت لم يستطيعوا أن يدفنوا زياد إلا بعد 3 أيام عندما هدأ القصف.. وأثناء الدفن قدمت عجوز فلسطينية من مخيم صبرا.. وقالت بلهجتها العامية البسيطة (سبحان الله جرحه أخضر).. أي أن جرحه ما زال طريا. علقت كلمات العجوز البسيطة في العقل الباطني للشاعر الفلسطيني عزالدين المناصرة.. ليكتب بعدها بثلاثة شهور قصيدته الشهيرة بالأخضر كفناه. سمع الموسيقار مارسيل خليفة القصيدة والقصة التي كانت السبب في القصيدة.. فلحن القصيدة وغناها ونشرها بالوطن العربي. زار الشاعر عزالدين المناصرة منزل الشهيد زياد طناش الشطناوي في منطقة حوارة في اربد شمال الأردن.. ونقل لأمه التي كانت تزورهم في بيروت خبر استشهاد اولادها؛ فاحتسبتهم شهداء في سبيل الوطن المحتل. في اليمن يموت الاطفال بجرح الجوع.. والقاتل يمارس الأكل والشرب والرقص ولا يعرف ان الجرح الأخضر النازف سوف يقف يقاضيه أمام الله يوم الحساب. كلمة مباحة: ليتهم ينصرفون.. ليتهم يأخذون ما أعطاهم إياه درويش وينصرفون.. ليسرقوا كل شيء ويتركوا لنا فلسطين وينصرفوا!!
بقلم: سمير البرغوثي
copy short url   نسخ
13/12/2018
1729