+ A
A -
وقع بين يدي بالصدفة بيان باللغة العربية، يتعلق بالأحداث الفرنسية الأخيرة ومظاهرات السترات الصفراء الاحتجاجية، ويطالب البيان الحكومة الفرنسية بضرورة ضبط النفس، والتعامل مع المتظاهرين بما يحترم العهود والمواثيق الدولية التي تكفل حق التظاهر، والاستجابة لمطالب المتظاهرين، وضمان احترام حرية التعبير. وينظر موقعو البيان بعين الحذر إلى وضع حقوق الإنسان في فرنسا، «إثر الاعتداء على المتظاهرين السلميين من قبل السلطات الفرنسية»، كما يقول البيان! لوهلة ظننت أن البيان مترجم عن لغة أجنبية، وأنه ربما أصدرته منظمة دولية تعنى بحقوق الإنسان حول العالم! لكن المفاجأة كانت حين قرأت أن البيان قد أصدره ما يسمى (البرلمان العربي)، ولأنها المرة الأولى التي أسمع فيها باسم البرلمان العربي، أجريت بحثا على جوجل حوله، لأكتشف أن (البرلمان العربي) قد تم تأسيسه من قبل الجامعة العربية عام 2004، وأن مقره كان لوقت قريب موجودا في دمشق. حسب بيانات البرلمان العربي الموجودة على موقعه، فإن ما تعاني منه شعوبنا العربية هو نتيجة وجود الإرهاب فقط، بحيث يشعر من يقرأ البيانات أن الإرهاب هبط بالمظلات الهوائية إلى بلادنا العربية التي تنعم بالخير والحريات والغنى وترفل شعوبها بالسعادة والحبور نتيجة التقدم والتطور العلمي والحضاري والثقافي، الذي تعمل أنظمتنا العربية ليل نهار على تحقيقه لشعوبها، وتسهر هذه الأنظمة لياليها وهي تخطط لإسعاد الشعوب وتحقيق رفاهيتها الكاملة، لا يوجد في البيانات أي ذكر للثورات العربية التي قامت بها الشعوب ضد أنظمتها، ولا يوجد في البيانات أي ذكر للجرائم المهولة التي ارتكبتها هذه الأنظمة بحق شعوبها، قبل الثورات وأثنائها وبعدها، لا يوجد لاجئون أجبرتهم جرائم الأنظمة على الفرار من الموت المحيط بهم، ولا يوجد معتقلون رأي يقتلون تحت التعذيب في بلادنا العربية، ولا يوجد معارضون للأنظمة تختطفهم الأجهزة الأمنية وتخفيهم أو تقتلهم، لا يوجد فقر في بلادنا العربية، ولا يوجد تراجع مهول في التعليم الرسمي وفي الصحة، لا يوجد انهيارات اقتصادية في بلادنا العربية، ولا يوجد قمع سياسي واجتماعي ولا فقدان تام للحريات العامة والفردية، ولا تسييس للقضاء ولا فساد ولا مافيات تسيطر على كل شيء، لا يوجد، حسب بيانات هذا البرلمان، لدى الشعوب العربية مطالب عادلة ومحقة، لا يوجد ملايين الأطفال محرومون من حق التعليم واللعب والطفولة، ولا يوجد نساء يتعرضن لانتهاكات جسدية عنيفة من قبل عناصر أجهزة الأنظمة، ولا يوجد مدن دمرتها طائرات وصواريخ الأنظمة، ولا يوجد دول وجيوش تحتل بلادنا احتلالات اجتماعية وعسكرية واقتصادية، تعيش شعوبنا، حسب البيانات، في نعيم متواصل، لولا الإرهاب الذي دخل فجأة إلى بلادنا واستل معاوله ومطارقه وسيوفه وبدأ الهدم والتنكيل في هذه البلاد والشعوب السعيدة. نعم أيها السادة، إن البرلمان العربي الذي يعقد اجتماعات دورية ويصدر البيانات التي تدين الإرهاب المنتشر في كل الدول العربية، يؤكد لنا أننا شعوب تعيش في عز ودلال أنظمتها، وأننا لا نطلب من أنظمتنا سوى القضاء على الإرهاب، الذي يستهدفنا جميعا، وجعل منا لاجئين، دون أن يكون هناك أي دور للأنظمة بما وصلت حالنا إليه، ولا لها أي دور في نشأة الإرهاب الذي انتشر فعلا في بلادنا السعيدة. ولأن البرلمان العربي يحب البشر أجمعين، لهذا فهو لم يتوان عن إصدار بيان تنديد بما تقوم به السلطات الفرنسية ضد المحتجين على سياستها، وتطالبها باحترام حقوق الإنسان وحرية التعبير، كان ينقص هذا البيان أن يختتمه البرلمان العربي بالطلب إلى السلطات الفرنسية بضرورة التعلم من تجارب الأنظمة العربية في التعامل العادل والمحترم والإنساني مع شعوبها، وإلا فإن الأنظمة العربية سوف تضطر إلى فتح حدودها ومطاراتها في وجه اللاجئين الفرنسيين الهاربين من بطش الحكومة الفرنسية.
بقلم: رشا عمران
copy short url   نسخ
18/12/2018
2252