+ A
A -
تعيش دولة قطر هذه الأيام احتفالات كبيرة بمناسبة عيدها الوطني كما ينعقد فيها واحد من أهم المنتديات الدولية على الإطلاق وهو منتدى الدوحة الذي يجمع أصحاب القرار ومختصين من كافة أنحاء العالم لقراءة التغيرات الدولية والإقليمية، لكن في المقابل يشهد الجوار المباشر لدولة قطر أزمات خانقة لا تقتصر على المجتمع والاقتصاد بل تمس أساسا جوهر الأداء السياسي ودعائم منظومة الحكم. ليس المقام هنا لتهنئة هذا ونقد الآخر أو الشماتة فيه بل مدار الحديث هنا هو التمييز بين موسميْ حصاد لنموذجين مختلفين في الأداء السياسي العربي. ففي الوقت الذي تخرج فيه دولة قطر بثبات من الحصار الظالم الذي ضُرب عليها منذ أكثر من سنة تتعمق الأزمات السياسية لدول الحصار في مصر والبحرين والإمارات والسعودية بشكل خاص. تحصد قطر ما زرعته خياراتها السياسية سواء على مستوى الداخل أو على المستوى الدولي إذ تسجل الدولة أعلى مؤشرات التنمية الاقتصادية والاجتماعية وتتربع عرش التعليم العربي. بل إنها تمثل اليوم عملاقا اتصاليا وتنظيميا وإعلاميا على المستويين الاقليمي والدولي يحظى برأس مال رمزي واعتباري كبيرين، نجحت قطر في تجاوز الأزمة وحافظت على تعهداتها الدولية بما في ذلك المواعيد العالمية الكبرى التي كانت قد التزمت بها مثل تنظيم كأس العالم. لم يكن هذا النجاح ممكنا لولا الأرضية السيادية الصلبة التي صنعتها السياسة القطرية منذ منتصف التسعينات وهي نفس الأرضية التي لا تزال قائمة إلى اليوم. إن أسباب إعلان الحصار على دولة قطر في نظرنا هي نفسها التي سمحت لها بتجاوزه وبأخف الأضرار. حوصرت قطر في الحقيقة لأنها كانت تؤسس خطها السياسي على الاستقلالية ولا تسمح بالمساس بسيادتها وسيادة قراراها وليس هدف قرار الغزو والحصار إلا وضع اليد على الدولة والمجتمع، هذا الخيار القطري كان المخرج الذي أفشل الحصار وعكس اتجاه الأزمة فالبنية السيادية الاتصالية والإعلامية وشبكة العلاقات الدولية التي صنعتها قطر منذ أكثر من عقدين من الزمان هي التي كانت السبب في فشل الحصار. لكن اليوم لم يقتصر المشهد على فشل المؤامرة بل تجاوزها إلى ارتداد الأزمة من قطر إلى جوارها الإقليمي حيث تجلس مصر على بركان من الغضب الاجتماعي والعجز الاقتصادي والفشل السياسي. أما في السعودية فلم تشهد المملكة عبر تاريخها أزمات وفضائح وجرائم مرعبة مثل التي تعرفها اليوم بعد أن سلمت قرارها إلى أبو ظبي التي صرت المتحكم غير المباشر في القرار السيادي السعودي. في قطر كما في السعودية أو في مصر أو في البحرين أو في الإمارات يحصد الناس ما زرعوا.
بقلم: محمد هنيد
copy short url   نسخ
20/12/2018
2277