+ A
A -
يقول ابن الجوزي في كتابه «المدهش»: رأتْ فأرةٌ جملاً، فأعجبها، فجرَّتْ خطامه فتبعها، فلما وصل إلى باب بيتها وقفَ ونادى بلسان الحال: إما أن تتخذي داراً يليق بمحبوبك أو محبوباً يليق بدارك! خُذْ من هذه إشارة، إما أن تصلي صلاة تليق بمعبودك أو تتخذ معبوداً يليق بصلاتك! لم أبدأ بهذه القصة لأوهمكم أني تبارك الله أصلي صلاةً تليق بالله سبحانه وتعالى، على العكس تماماً، إن الحال من بعضه، وكلنا تمرُّ عليه صلوات لا ندري ما الذي قرأناه فيها، ومن رحمة الله تعالى بنا أنه قال: «الذين هم عن صلاتهم ساهون» ولم يقل في صلاتهم، وإلا لما نجا منا أحد! ثم إن الدنيا دار مجاهدة، والعبادات تحتاج سنوات من المرارة حتى تستقيم حلاوة، قرأتُ في أخبار الصالحين كثيراً وأكاد أقسم أن المشترك بينهم جميعاً أنهم أول الأمر كانت عبادتهم مشقة، ثم مازالوا يصارعون أهواءهم وأنفسهم حتى استحالت العبادة لذة؛ فإذا أخبركَ أحد عن لذته في قيام الليل أو صلاة الفجر في المسجد فلا تتهمه بالمبالغة والمثالية، ولا تحكم عليه بقلبك وقلبي بل قل لعلَّ له قلباً جاهدَ كثيراً وها هو يقطف ثمار جهاده كصاحب النحل حين يجمع العسل من القفير بعد خدمة موسم كامل. إن الذي يتلذذ بقيام الليل كان أول الأمر يقوم وهو يترنح، ويزيح عنه غطاءه كأنما يسلخ جلده، ويتوضأ كأنما يسكب على نفسه الرصاص المُذاب، والذي أَلِفتْ رجلاه طريق المسجد في صلاة الفجر ما ترك خليةً في جسده إلا وخاض معها حرباً مستعرة حتى صار ما صار! لن أحدثكم عن رجل قرأتُ أنهم أرادوا أن يبتروا قدمه فقال لهم ابتروها وأنا أصلي، فإني إذا وقفتُ بين يدي ربي لا أشعر بشيء، بل سأحدثكم عن رجل يشبهني كثيراً، أعرابي صلى صلاة سريعة لم يحسن خشوعها، ثم رفع يديه إلى السماء وقال: اللهم زوجني من الحور العين! فسمعه عمر بن الخطاب فقال له: يا هذا، لقد أقللتَ المهر وأعظمتَ الخِطبة! هكذا نحن نقدم المهر القليل ونطلب الجزاء الكبير، وليس لنا من عزاء إلا أننا على يقين أن الله أرحم بنا من أمهاتنا، ولكن هذا لا يمنع أن نسأل أنفسنا دوماً بعد كل صلاة، هل تليق به سبحانه؟!
بقلم: أدهم شرقاوي
copy short url   نسخ
20/12/2018
4230