+ A
A -
صَوتُه الخافِت كان أَقْوَى وَقْعاً مِنْ طَلْقَةِ دَبَّابَة، لكنَّ مَوْتَه كان أَحْقَر مِن دَعْسِ قَدَمٍ لِذُبَابة.. إنه المرحومة أشلاؤه، الذاهبة، قِطَعا متفرقة كانت أم ذائبة.. إنه جمال خاشقجي بَطَلُ أقوى أحداث عام 2018 وأكثرها رهبةً..
عامٌ آخَر يَجمع حقيبتَه، ويَتَأَهَّبُ لِسَفَرٍ بِلا عودة. ونَحْنُ على مشارف نهاية عام 2018 لا غرابة أن الكثير مِنّا يَقفُ عند أهمّ أحداث السَّنة لِيُقَدِّمَ قراءتَه الخاصة فيها..
ولأن الإنسان يَظلُّ الأعلى قيمةً وأهميةً، فإن مِن العَدل والواجب ألا يَغيبَ عنَّا طيفُ رَجُلٍ كهذا الذي رَحَلَ قبل رحيل العام، وتَرَكَ سؤالا مُحَيِّراً كاللُّغز بسبب الطريقة الفظيعة التي اختفى بها وكأنَّ التاريخَ يَعود بنا إلى زمن التوحش..
إنه التوحش في حالة الإنسان البِدائي ذاك الذي كانَ يُصارع ويَقتل مِن أجل البَقاء. ولْنَنْظُرْ اليوم كيف أصبح التوحُّشُ يَسْتَأْثِرُ بساكنة العالَم الجديد هذا الذي يَتِمُّ فيه تَدْجِين العبيد!
مَشْهَد دَمَوِيّ حِمْضِيّ يتحول إلى تاريخٍ مُخْزٍ عند مَنْ آثروا القفزَ على المقدَّس لتوجيه ضربَةٍ بمنشار مُدَنَّس مِن باب الانتقام مِن سَيِّد الكلام..
لكن مرآةَ الزمن فاضحة، ومَن ذا الذي سَيَنْسَى صورةَ بَطَلِ مسلسل الإعلام خاشقجي صاحِب القَلَم الهمام الذي لا يَخشى عند قول الحقّ جبروتَ مُتَجَبِّر أو بَطْشَ مَنْ خَبَرَ تكميمَ الأفواه؟!
بعيدا عن جنسيته وهويته وما جاورهما، لن نَتحدث سِوى عن إنسان، إنسان لا نَدري ما الذي جَناه على وجه التفصيل، لكنه لا يَختلف عن قِطّ تَمَّ غسله وعصره قبل أن يُتْرَكَ لِيَجِفَّ على حبل الغسيل.. إنها أبسط صورة متخيَّلة لمظاهر غياب الرحمة..
ولأن الجواب عن سؤال «لماذا؟» يَتعذَّر، فإننا سنَفتح نافذة على ما تَيَسَّرَ مِن أسئلة لا شَكّ في أنها تَحمل في ثناياها الإجابةَ، على أَمَل أن تُشرِقَ لِلْحَقّ شمس:
كيف للمؤسسات الراعية للإرهاب والضليعة في صناعة الإرهاب أن تَتَّهِمَ غيرَها بالإرهاب وتَثورَ (ادِّعَاءً) على الإرهاب؟!
إلى متى يَستمر يَتِمّ تَبَنِّي مواهِب فَنّ الاستحمار عند صُنَّاع القرار؟!
لماذا يَتمّ في مَشهد الواقع النظرُ إلى المتلقي وكأنه ما فتئ يَرضع أصابعه؟!
أمازال المتلقي العربي يَتراءى للآخَر (صانِع الحَدَث) مُغَفَّلا ساذَجا تحت ِمِجْهَر الأنظمة القامعة للصوت؟!
هل يُمكن للفُجور في الحِقد والكراهية أن يَبْلُغَا مَبلغَ التصفية الجسدية؟!
(..)
لِمَن يَستهين بالقدرة الإلهية في كَشْفِ المستور، هذا درسٌ آخَر كي لا يَنصب الواحدُ نَفْسَه جَلاَّداً، فبَيْنَ الجاني والضحية مسافةُ نداءِ مظلومٍ لتنقلبَ الأمور..
نافِذَةُ الرُّوح:
- «نَمْ يا صغيري في حضن الأمل، واشْتَهِ لِوَصلي ما يَشتهيه الربيعُ مِنْ أقْراط لِأُذُنَيْ الشمس وسِواكٍ يُشعِلُ ثَغْرَ الحُبّ».
- «خاتمُ مَلِكِ الحِكمةِ قُبلةٌ تَعُدُّ الخطواتِ إلى شِفاهٍ رَتَّبَتْ لموعد في الضوء لا في الظّلّ».
- «ما بين حذاءِ الانتظار وقَدَمَيَّ هُوَ نَفْسُه ما بين قارورةٍ وعِطْرٍ».
- «أَقْسَمْتُ ألاَّ أَقُصَّ ضفيرةَ الرغبة الشقية وثَمَّةَ مَلاكُ إلهامٍ صغيرٌ يَرقص عليها».
- «في قلبي، اِبْنِي أَعْشاشَكِ يا طيورَ الْمَطَر الأخير، وأنتِ يا عَنَادِلَ الشوق أَطْرِبِينَا».
- «زِدْنِي ضَوْءاً يا مصباحَ الحِكمة حتى أَعْرِفَ طريقَ العودة إلى نَفْسِي».
- «صلاةُ الحُرِّية في خيمةِ امرأةٍ عربيةٍ ها هِيَ تَعِدُكَ بِحَصادِ الرُّجولةِ كُلِّه».
بقلم: سعاد درير
copy short url   نسخ
27/12/2018
3091