+ A
A -
مع كل التطورات الأخيرة على الساحة السورية، من إعلان ترامب سحب قواته من سوريا، إلى تريث أردوغان في حملته التي كان مقرراً أن يشنها خلال هذه الأيام في الشمال السوري، بالاتفاق مع روسيا، إلى الضربة الإسرائيلية الأخيرة في عمق الأراضي السورية، إلى إعادة فتح السفارة الإماراتية في دمشق، والافتتاح القريب للسفارة البحرينية، إلى حديث ترامب عن أن السعودية هي من سيتولى دفع تكاليف إعادة الإعمار في سوريا بدلا من أميركا( وهي واحدة من الصفقات التي تمت على دم خاشقجي).
إلى الحديث المتواتر والمحاولات العلنية لإعادة التطبيع مع النظام السوري وعودته إلى الجامعة العربية، والتسريبات عن دعوة بشار الأسد لحضور اجتماع القمة القادمة، مع كل هذه التطورات على الساحة السورية يبدو أن نهاية سنة 2018 كانت بيضاء على النظام السوري، أو لنقل: على النظام العربي الحاكم عموما، والذي على ما يبدو وثيق الارتباط بعضه ببعض، ويتشابه في الذهنية التي تخطط وتحكم، ويتشابه أيضا في رؤيته للشعوب العربية، وربما يصح القول إن النظام العالمي، بالعموم، يتشابه في رؤيته للشعوب العربية، أو شعوب العالم الثالث، فما يحدث، وما آلت إليه ثورات الربيع العربي، يثبت بوضوح، أن ما فعله النظام العالمي، وضمنه العربي، هو القضاء على أي حلم لدى الشعوب العربية بالتغيير، إذ سوق الجميع للثورات المضادة، التي حولت الربيع إلى خيبة ويأس ودماء وفقد ومقابر ممتدة على اتساع الأرض العربية، وتشرد ولجوء في بلاد الله الواسعة.
انتصر نظام الأسد في المعركة التي خاضها ضد شعبه منذ ما يقرب من تماني سنوات، هذه خلاصة تطورات آخر 2018 على الصعيد السوري، وشعبه هنا لا تعني فقط من خرج بالمظاهرات ضده، أومن حمل السلاح في وجهه، أو من قال له ارحل، أو من تعاطف مع الثائرين، شعبه هو السوريين بأكملهم، حتى الموالين له للنهاية، فالمعركة التي خاضها النظا، خاضها بالسوريين ضد السوريين، استخدم مواليه وقودا في معركة محض شخصية، لم يتورع عن فعل ذلك، ولم يتورع عن مطالبتهم بتقديم المزيد من الضحايا، (في إحصائية عن نسبة عدد ضحايا المحرقة السورية من الذين قاتلوا إلى جانب النظام أنها تجاوزت نسبة عدد ضحايا الخارجين عنه بكثير)، يقال إن ثمة قرى ومناطق بأكملها لم يبق فيها ذكور، كلهم أصبحوا تحت التراب، أما من الجهة الأخرى، جهة الثورة، فمئات آلاف الضحايا والمختفين والمغيبين، وملايين المشردين في الداخل والخارج، وعشرات آلاف المصابين والمعاقين، وملايين الأطفال المحرومين من التعليم، مئات آلاف النساء الأرامل، تتحدث تقارير عديدة أيضاً عن انتشار مهول لكل أنواع المخدرات في الشوارع السورية، يتعاطاها حتى الأطفال، وعن ازدياد ظاهرة التسول بشكل كثيف، عن عصابات الخطف والسرقة، عن السلاح المنتشر في كل مكان، عن الفساد المستشري بما لا يمكن إصلاحه، عن تغيير ديموغرافي حقيقي يجري على قدم وساق، عن ظاهرة أثرياء الحرب ومحدثي النعمة الذين يضربون عرض الحائط بكل القيم الأخلاقية والبشرية.
إنها الحرب أيها السادة، الحرب التي بدأها نظام الأسد وحولها إلى حرب دولية على مساحة الأرض السورية الصغيرة، الحرب التي لم تترك سوريا سليما، أينما كان ولأي جهة انتمى، إنها الحرب التي انتصر فيها نظام الأسد بعد أن حول سوريا إلى مستعمرة مدمرة، مجتمعا وبنية تحتية، يتناهبها كل أنواع الاحتلال، إنها الحرب التي بدأتم تهنئون نظام الأسد على انتصاره بها، وربما ستكافئونه قريباً، إذ إنه أدى الدور المطلوب منه على أكمل وجه، هنيئاً لكم به وهنيئاً له بكم، أما شعوبكم، من مات منها ومن بقي ينتظر فليس لها سوى أن تحضن خيباتها وخذلاناتها وتحفر في الأرض لتجد الأمل.
بقلم: رشا عمران
copy short url   نسخ
01/01/2019
2304