+ A
A -
قارورةُ عِطري، قارورةُ عِطرٍ برائحة الشِّعْر، فتحتُها لِصَغيراتي اللواتي أُرَبِّي فيهنَّ حُلما صغيرا يُسمى الإبداع، فلا يَجِدْنَ قُدَّامَه إلا الإذعان والانصياع..
ما أقلَّ أنْ أكونَ راضية عن نفسي، لكنني يوم الاثنين الأخير تَسَلَّقْتُ نخلةَ السعادة دون أن أكون في حاجة إلى سُلَّم ولا حبال، سعادة تَرتمي أنتَ في حضنها وتَمتثل لسلطتها كُلّ الامتثال..
بمجرد أن وَضَعْتُ حقيبتي على المكتب، في ذاك اليوم، حتى أَقْبَلَتْ «نِهال» التي تُدانيني طولا وعرضا، تَسبِقها ابتسامتها البريئة والدافئة بالحُبّ لِتُبَشِّرَني قائلةً بحياء: «أريد أن أخبركِ، أستاذة، بأن مسابقة الشِّعر التي استشرتُكِ بشأن مشاركتي فيها (وحَفَّزْتِنِي) قد أعلنَتْ نتائجها وفُزتُ برتبة مشرفة مِن الرواتب الثلاثة الأولى»..
فرحتُ فرحا رقيقا حالِما، ليس لأن الفتاة فاجَأَتْنِي بالنجاح وهي التي يَليق بها ذاك عن جدارة واستحقاق، وإنما مَرَدُّ فرحي ورِضايَ توفيقٌ مِن الله كنتُ أنا سببا في تحققه على أرض الواقع..
ففي كل مرة كنتُ أَخْتَلِسُ بِضْعَ دقائق مِن عُمر الساعة لتحرير إحساسهم مِن قفصِ ثلاجةِ الزمن القاسي، وكنتُ بالْمِثل أَرُوضُ إحساسَهم رياضةً شِعريةً هُم الذين أَتَشَرَّف بتدريبهم على أبجديات الكتابة الإبداعية..
«نِهال» شَرَعَتْ منذ مدة في موافاتي بكتاباتها التي كنتُ أُسَوِّرُها بأكثر مِن رأي وتعليق يُثَمِّنان خيوطَ إحساسِها الْمُرْهَف، وقد كنتُ دائما حريصة على أن أَعملَ على صَقْل أسلوبها الذي رَتَّبْنا فَوضاه معاً إلى أن أشرَقَتْ لُغَتُها وأضاءَتْ حروفُها..
اَلْمُراد هنا أن للأستاذ دورا مُهِمّا في أن يَمدّ للطالب أذرعا تَدفعه دفعاً إلى النجاح شريطة أن يَتوفر الإحساس والعزيمة والإرادة التي تَشقّ الحجرَ..
هؤلاء الطُّلاَّب والطالبات هُم الأعمدة التي يَنبني عليها الغَدُ الباسِم تحت سَقْف الحياة، وكُلّ ما نَزْرَعُه اليوم سيَتِمّ حصادُه غَداً: زارِعُ الحُبّ سيَحصدُ الحَبّ، وناثرُ الشوك سَتَجمَعُه الريحُ..
«نهال» ذات الخُلُق والعقل والجمال رغبَتْ في أن أكون أول مَن تزفّ إليه خبرَ تتويجها، ليس لأهديها باقةَ ثَناء أمام الزميلات والزملاء، وإنما لأنها تَوَسَّمَتْ في شخصي اليدَ الطاهرة التي تَمْسَح على الجرح في زمن يَجتاحُه الجفاف في غياب صوت الْمَشاعر..
هكذا القلبُ الكبير يُعطي دون تَفكير في المقابِل، وهكذا حمامةُ السَّلام تُداوي بشدوها الشجِيّ المحلِّق في سماء الْحُلم وَجَعَ الرُّوح التي أنهَكَها التَّعَبُ.. وما هذا التعَب إلاَّ بِداية فِكرة تَبسطها الأنامل التوَّاقة إلى البَوح حين يُغْلِقُ ألفَمُ بابَه..
مُرَّ يا بَوْحَهُم على شُرفةِ القلب، ولْتَكُنْ عِطْراً يُعانِقُ أنفاسي..
نافِذَةُ الرُّوح:
- «بَريدُ الصمت يُضْمِرُ الكثيرَ مِن الحِكمة».
- «شيءٌ مِن الحُبّ يُقَوِّي عضلةَ القلب».
- «كُنْ حَارِساً مُنْصِفا لِمَرْمَى شفتَيْكَ، فالجَنَّة بابُها كلمة، والنار بابُها كلمة».
- «لَيِّنْ عتبةَ قلبِكَ لِيُحِبَّكَ الآخَرون».
- «دَرِّبْ أصابعك على تَحَسُّس الحُسن لا على اصطياد الغفلة المؤذنة بالسقوط».
- «عنوانُ الحُبّ ابتسامة صادقة».
- «الحياةُ غرفة مُظلمة، مصابيحها كلماتُكَ المضيئة، هواؤها أنفاسُكَ، ومفتاحُها قُدْرَتُكَ على أنْ تَرسم قُبالَتي وُرودَ الأمَل وأنا في قاعِ حفرةِ جَهَنَّم».
بقلم: سعاد درير
copy short url   نسخ
03/01/2019
3225