+ A
A -
يبدو أن دول العالم منشغلة بجدل الهوية، مجتمعات أوروبا وأميركا فزعة على هويتها من المهاجرين، ويوظف التيار اليميني مخاوف الأوروبيين على الهوية لأهداف سياسية، الرئيس ترامب أيضاً، يوظف مخاوف الأميركيين على الهوية ويخوض معركة سياسية حامية ضد الديمقراطيين، بهدف حشد الجهود لتمويل الجدار الحدودي الذي يحمي أميركا من غزو المهاجرين والمخدرات والمجرمين الخطرين، المجتمعات الخليجية كذلك منشغلة بهموم الهوية إثر هذا التسونامي البشري المتدفق على الخليج، وما ينتج عنه من انعكاسات سلبية على الهوية الثقافية، والتركيبة السكانية وضغط مدمر على المرافق والخدمات العامة والبنية التحتية، وازدحام مروري خانق وملوث للهواء.
لكن المجتمع القطري في هذه الأيام، هو الأكثر انشغالاً بسؤال الهوية، والأكثر نشاطاً في تنظيم فعاليات حول مفهومها، قبل أشهر، نظم مركز ابن خلدون حلقة نقاش (المجتمع القطري وسؤال الهوية) وتنظم جامعة قطر، إبريل القادم مؤتمر (الهوية الوطنية في قطر 2019) سؤال الهوية في قطر أصبح سؤالاً ملحاً يشغل النخبة السياسية والفكرية والرأي العام، هناك حماة الهوية وحراسها الذين ينظرون بقلق إلى التحولات الاجتماعية السريعة في المجتمع القطري المحافظ، ويخشون على الهوية القطرية من التغيرات القادمة المصاحبة للمد العولمي، ويطالبون الدولة باتخاذ المزيد من الإجراءات الاحترازية المحصنة للهوية أمام رياح التغيير، وتزداد مخاوف هؤلاء، يوماً بعد يوم، باقتراب استحقاقات مونديال 2022 وما قد يصاحبها من مسلكيات مخالفة للموروثات والقيم الدينية، وما صيحات الفزع من تهنئة غير المسلمين بالأعياد والمشاركة في احتفالاتهم، إلا مظهر فزع على الهوية، ولعل هذا ما دفع المفكر القطري عبدالعزيز الخاطر إلى كتابة مقاله: الحرية قبل الهوية: ذهب فيه إلى أن هؤلاء الفزعين إنما يحامون عن هوية ماضوية يطالبون الدولة باستدامتها في عالم متغير، هذه دعوة للشمولية والعبودية، على الدولة عدم الالتفات إليها، لا شأن للدولة بالهوية، ولا ينبغي أن تتدخل لتفرض هوية معينة، ذلك شأن مجتمعات الهوية الجاهزة العاجزة عن التقدم لافتقادها حرية الاختيار، وما جاء الإسلام إلا ليكسر الهويات الأولية المنغلقة من طائفة وقبيلة وعائلة. قطر ما بعد الحصار، إذ تقدم على التنظيم المونديالي، تواجه تحديين: خارجي أميركي يطالبها بالاصطفاف بمواجهة إيران، وداخلي قبلي يطالبها بتحصين الموروث القبلي تجاه الاستحقاقات المونديالية، ولعل قدر قطر، ماضياً وحاضراً ومستقبلاً، اتخاذ (البراجماتية السياسية) منهجاً، في الداخل والخارج، فتوازن الأمور في العلاقات الدولية، كما توازن بين متطلبات الحفاظ على الهوية والاستحقاقات المونديالية، بتهيئة الأجواء الاجتماعية المرحبة باستقبال ضيوف العالم، وفِي هذا السياق تولي قطر اهتمامها بتطوير القطاع السياحي بوابة قطر المنفتحة على العالم، وقبل أيام، تم تكليف كفاءة إدارية بتولي قطاع السياحة، السيد أكبر الباكر، الذي نجح في تطوير شركة الخطوط الجوية القطرية منذ العام1997 وتوسيع شبكة عملها، وبناء أسطول حديث ينافس كبرى الشركات العالمية.
ختاماً: إن الاحتماء بحصن الهوية في عصر العولمة، أصبح غير مجد، ولا ينسجم مع الدور الخليجي القيادي عربياً وإقليمياً ودولياً، كما يتناقض مع التوجه الخليجي الجاذب للاستثمارات الأجنبية، والعقول المهاجرة، والمنفتح على الثقافات والديانات المختلفة، وما ينعم به الخليج من ازدهار واستقرار وأمن، هو الجانب المشرق لمعادلة الانفتاح العولمي، وهي معادلة لها جانبها الآخر الذي له ضريبته المحسوبة، والذي يتطلب التعامل معه، الثقة في أنفسنا وديننا وثقافتنا وهويتنا، بالمواجهة الذكية والبصيرة، كما فعلت المجتمعات المتقدمة، إذ لا وجود اليوم لثقافة صافية، الثقافات في حالة تفاعل مستمر، والهوية ليست نسقاً مغلقاً، بل هي حصيلة تراكمات تاريخية متطورة. أخيراً: ما يحصن الهوية الوطنية: تفعيل مفهوم المواطنة الجامعة، إعلاء حقوق الإنسان، تفعيل تشريعات التوطين، تطوير قوانين الجنسية بما يجعلها منسجمة وقوانين الجنسية الدولية، تمكين المرأة، كسب الشباب كقضية أمن وطني، تعزيز جهود مكافحة الفساد، تقوية استقلال القضاء، عدم انحياز السلطة لهوية مكون مجتمعي وفرضها على المكونات المجتمعية الأخرى.
بقلم: د.عبدالحميد الأنصاري
copy short url   نسخ
14/01/2019
3576