+ A
A -
د. سعاد درير

في كُلّ عام يَشتعل الجنون عندما يَحتفل العالَم والأميركيون بعيد العِناق.. العناق يُصَيِّرُه البعضُ عيدا وطنيا وعالميا بعد أن حَدَّدُوا له الـ 21 يناير يوما استثنائيا. إنه الجنون المخطَّط له، أو لِنَقُلْ إنه الجنون الذي تَسبقه برمجة..
السؤال الذي تتمدد أذرعُه وسيقانه هنا هو:
العام طويل يَمُرّ، والأيام تَمضي ضاربة بأذيالها، أفلا يَجِد الأميركيون وقتا لتوزيع كعكة القبلات وتبادُل العناق إلا في هذا اليوم؟!
ألا ينفي الأميركي أنه رجل آلي يُنَفِّذ كُلَّ شيء بطريقة ميكانيكية، ويَفوتُه أن يتذكر أنه إنسان يَنبض في صدره قلبٌ صارخٌ فمُه صرخةَ الحُبّ إلا في هذا اليوم؟!
أيتعلق الأمر بترويج ثقافة الحُبّ الممنوع تلك التي يتسابق ضِعاف العقل والقلب على أن يَنزلوا بها إلى أرض واقعهم فاتحين الباب على مصراعيه لحمى التقليد الأعمى؟!
وفي السنوات الأخيرة تحديدا، ما سَيَكون مُسَوِّغ الاحتفال وثمة بِحار دموع لا تَرحل ولا تَجِفّ، ثمة قُضبان صمتٍ لا تَنكسر وبالْمِثل لا تَنتصر لصوت بُحَّ مِن شدة التأَوُّه، وثمة قطيع أغنام بشرية منها ما تم نحره ومنها ماتم ذبحه، منها ما تم نفيه ومنها ما تم كَيُّه وشَيُّه في قلبه وفي كبده، منها ما تَمَّ التصرف فيه بِفِعْلِ مُفاعِل حِمضي، منها ما تم كسره وعصره.. والكلاب تَنبح والقافلة تَسير والأيام تمضي؟
هل تَغضّ الطرفَ عن كُلّ هذه المصائب الحالفة الاَّ تَغيب، وتُطلِق أنتَ العنان للعناق مِن باب التعذيب؟!
وهل سيكون ذاك تعذيبا لنفسك الساكتة سكتةَ الأخرس، أم تعذيبا للآخَر الذي ما عُدْتَ تُفكر في أن تَجسّ نبضَ آلامه في مُدُن النسيان ولا عاد يَعنيك أن يُصْلَبَ هو على سُور الخذلان؟!
سَمِّهِ نزقا أو عتها أو خرفا، فشيء مِن هذا لا شكّ في أنه قد مَسَّ الأميركي العبقري في غير موعد العبقرية كيفن زابورني هذا السَّبَّاق إلى تأسيس مَدْرَسَة العناق وتكريس عادة الاحتفال في زمن الكراهية والعداوة والتصفيات وتَبْييت النيات..
ما معنى أن تَدفن بِيَدٍ جُثَّةً حيَّة، وتربتَ على كتفِ يتيمٍ باليد الأخرى؟!
ما معنى أن تَضربني بقنبلة مسيلة للدموع بيد، وتمسح باليد الأخرى عينيَّ مَسْحَ منديل لجرح؟!
ما معنى أن تَبصق في وجهي، وفي الوقت نفسه تضمّ أصابعك إلى فَمِك لتُرْسِل مِن بعيد إلىَّ قُبلة؟!
في زمن المتناقضات ليس أمامَك يا صديقي سِوى أن تُصَدِّقَ أنك حقا تَقف على رِجْلٍ واحدة تحت سماء كوكب مُعَلَّق.. كُلُّ شيء مهدَّد بالاندثار، بما في ذلك القيم والمثل التي تنهار ويَجري عليها ما يجري على المركب العالق في وجه التيار..
إنها فورة النهاية!
نافِذَةُ الرُّوح:
- «مع كُلّ محنة تَمنحك الحياة فرصةً أخرى لِتَعَلُّم درسٍ».
- «دَرْس لا يُنْسَى ذاك الذي تَسقط فيه خيلُك عند رصيف الصداقة والحبّ».
- «الحُبّ مجمر يَعِدُكَ بالدفء ويُمَنِّيكَ بحياة وردية».
- «حياة ورديةٌ وهمٌ آخَر يَكذب به علينا زمنُ إيديث بياف لنَعقد الصلحَ مع زمننا».
- «زمننا زمنُ الخسارات بامتياز، مع أن المعركةَ لا تَسمح بالحديث عن رابح».
- «رابحٌ مَن يُسَلِّم مفاتيح القيادة لقلبه، شريطة أن يُدَرِّبَه على العوم في بَحْر التجربة المالح ملوحة مُدُن الغربة».
- «الغربة التي تَسكننا تَكتب في العيون اعتراف صريحا بأننا فَشلنا، فشلنا في أسوإ لحظة تاريخية تَمْحُو سُطورَ الْمَجْد العربي البائد».
copy short url   نسخ
24/01/2019
2775