+ A
A -
يظن المتابع لما يجري على السطح في مصر أن الثورة- ثورة يناير 2011 وتطلعاتها- قد خمدت وانتهت وأن الثورة المضادة- 30 يونيو 2013 وتوابعها- قد تحكمت وسيطرت وتمكنت وهو ما قد يبدو صحيح ظاهريًا، لكن بالغوص في التفاصيل الدقيقة والمتراكمة منذ الانقلاب العسكري وحتى يومنا هذا نجد أن الثورة قادمة لا ريب، فالأسباب التي دفعت الجموع للخروج للميادين في يناير2011 لم تنقص على العكس قد ازدادت وتضاعفت، في مرحلة التحضير لـ25 يناير كان التحرك في أساسه نخبوي تبعه دعم ومؤازرة شعبية.
أما اليوم لم يتبق من الشعب المصري طائفة أو فصيل من القمة- ما يلي النخبة الحاكمة وحاشيتها- إلى القاعدة لا تتوافر لديه أسباب كافية تدفعه للخروج لتغيير النظام القائم، فنظام الانقلاب العسكري بقيادة الجنرال الدموي عبدالفتاح السيسي قد جمع أسوأ ما في العهود الثلاث (عبدالناصر والسادات ومبارك)، فالأنظمة الثلاث على علاتها قد تجد فيها ما يمكنك من تقييم أضرارها ومنافعها عكس النظام الانقلابي الحالي، فالمنفعة الوحيدة الواضحة التي جلبها منذ 3 يوليو 2013 وحتى كتابة هذه السطور هو ظهور دولة 23 يوليو العسكرية على السطح بكافة مكوناتها وشخوصها وفسادها وتسلطها وأدواتها وأحلافها بلا أقنعة ولا رتوش ومن دون ستار وأصبحت في مواجهة مباشرة مع الشعب المصري بمعظم طوائفه وطبقاته.
من الناحية السياسية تم حرفيًا غلق المجال السياسي بالضبة والمفتاح ولم يترك نظام السيسي الانقلابي أي فصيل سياسي مهما كان توجهه الفكري من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار دون التنكيل به أفرادًا وجماعات حال قيامه بأدني تصرف أو تصريح أو توجه يخالف النظام العسكري ومهما كان موقعه بداية من مناوئة الانقلاب والسعي لإسقاطه وحتى معارضته مع اعترافه به من باب تحسين الوضع القائم وليس تغييره، ومن الناحية الاقتصادية وصلت مصر لمستوى غير مسبوق من تراكم الديون داخليًا وخارجيًا تزامنًا مع الانهيار المتواصل لقيمة العملة المحلية وارتفاع نسبة التضخم والبطالة والفقر واتساع الفجوة بين الدخول والنفقات لمعظم طوائف الشعب في ظل تطبيق الدولة لشروط صندوق النقد الدولي التي تدفع باتجاه ضغط النفقات ورفع الدعم كليًا عن السلع الضرورية والأساسية، مما نتج عنه ارتفاع الأسعار بوتيرة جنونية، مرورًا بمشاريع النظام غير المجدية والتي تصب في جيوب حاشية السيسي من قادة عسكريين ورجال أعمال وشركات مرتبطة بهم، وصفقاته الخارجية المختلفة لشراء شرعيته واعتراف العالم الغربي به ومساعيه للاستمرار في سدة الحكم، دون إغفال متطلبات كفلائه في السعودية والإمارات لمشاريع واستثمارات بعينها في مناطق ومجالات محددة تضرب الاقتصاد والأمن القومي المصري معًا في الصميم، ويمتزج هذا مع ارتفاع مستمر في الضرائب وتنوع أشكالها في معادلة ترمي باستمرار فئات جديدة في دائرة الفقر ومحدودية الدخل وتسحق في طريقها أي تطلع للاستقرار مع الغياب التام لأي رؤية تنموية فعلية والتلويح بالتخلص من جزء ليس بالهين من موظفي الجهاز الإداري للدولة، مع استمرار التدهور للشبكة الخدمية من صحة وكهرباء وصرف صحي وخلافه، وتقهقر مستمر ومتعمد لمنظومة التعليم وهو ما يختصره بوضوح تصريح وزيرة الصحة الأخير حول نصيحة السيسي لها بتعليم أبنائها في الخارج.
من الناحية الأمنية لم تنخفض وتيرة الغياب والتسيب الأمني الذي لا تظهر قوته وبطشه إلا في مواجهة وقمع أي تحرك أو مظهر لمعارضة النظام الانقلابي وجاء هذا على حساب الدور التقليدي للمؤسسات الأمنية والشرطية في الحفاظ على الأرواح والممتلكات وسيادة القانون، على العكس أصبح تدهور الوضع الأمني هو السمة السائدة وأدي لظهور أنماط جديدة من الجريمة لم تكن متواجدة على الساحة المصرية من قبل نتيجة لتردي الوضع الاقتصادي والخدمي، وغياب وانبطاح شبه تام للقضاء بمختلف درجاته واختصاصاته للمؤسسة العسكرية وما ترتب عليه من فقد الشعب الثقة في منظومة العدالة.
وكما قال جيفارا: «لا يزال الأغبياء يتصورون أن الثورة قابلة للهزيمة»، واختصرتها مقولة جان جاك روسو «نشأت سلطة تحكم ومحكوم يطيع، ونشأ بينهما عقد اجتماعي يفرض بأن يقوم كل منهما بواجبه، فإذا أخلَّ فريق بواجبه حق للآخر فك العقد، والثورة»، كل عام وأنتم ثوار، كل عام وأنتم يناير.
بقلم: جمال الهواري
copy short url   نسخ
25/01/2019
2002