+ A
A -
أمس مات فارس من فرساننا
أبناؤه من فلسطين شيعوا النبأ
مات أبو المروءة والنخوة والعطاء
نعاه الواتس وغرد به هدهد سبأ
وأنا في غربتي وهجرتي ومنفاي
لم أجد إلا اليراع، أخط به كلمات لتطفئ لهيب الحزن الأسود، الذي زحف عليَّ كما تزحف جيوش الظلام على بقايا نهار متعب، شعرت أنني عاجز، متعب..
محاصر ومدائن الشمس النورانية بعيدة..
ماذا أقول يا أبا الفوارس في مصيبتي
وأنت من كان يضيء بالزيت غرفتي
ماذا أقول يا أخي وابن عمي..
حملتني طفلا ورعيتني شابا
وحنانك أظلني كهلا..
ماذا أقول يا أبا محمود
وأنت عديلي وما أزكي عليك أحدا..
نعم يا ابن العم.. والأخ.. في تلك الليالي الحالكات.. البائسات أواسط الستينيات من القرن الماضي.. وأنا طالب في المرحلة الثانوية.. تأتي بعد منتصف الليل.. وتتظاهر بأنك هجرت السجائر.. وتلقي بالباكيت من الشباك.. وأنت تعلم أني أدخن.. فأذهب وأتناوله.. ويتكرر الأمر.. لتفصح لي بعد ذلك أنك كنت تشتريه من أجلي..
وكأنك أمامي في عمّان.. وقد جئت قبل الجميع للاطمئنان على تهجيرنا من الغزو الصدامي للكويت.. وتحضر معك اللحم والزعتر والزيت..
ماذا أقول يا أخي وابن عمي؟!!.. نعم..
أعلم يا أبا الفوارس أن كل مصيبة تأتي فهي بإذن الله، ووفق قدر معلوم وقضاء مرسوم وحكمة أزلية، وأنا على يقين أن ما أصابك لم يكن ليخطئك، وأن ما أخطأك لم يكن ليصيبك.
نعم يا ابن العم.. تمتد آلام غربتنا على مساحة وطننا.. نجسد معاناتنا حروفا وصورا وسجلا من الذكريات التي لم يبق لنا سواها.. تشكو جميعها مرارة الاغتراب وحسرات المنافي..
هي الأيام تتوالى.. تمر علينا كما مرت على أممٍ قبلنا..
وُلِدوا.. عاشوا.. تزوجوا.. أنجبوا.. تشاجروا.. تصالحوا.. تحاربوا.. ثم.. ماتوا.. وَوُلدنا.. وعشنا.. ومضينا في درب الحياة.. لعلنا الآن نسير على آثار أقدامهم..
كلمة مباحة..
كلما يموت قريب خلف حدود الوطن المحتل أب، أم، أخ، عم، أو قريب من الدرجة الأولى وله حق عليَّ أن ألقي عليه النظرة الأخيرة.. أو أشارك في دفنه وتقبل عزائه.. أشعر بالاختناق.. لأن بيني وبين هذا الأجر أسوارا وحدودا وحواحز أقامها المحتل.. ويتلذذ ويمعن في التلذذ إذا أصررت على الدخول ويصر هو بالرفض.. حاولت الدخول يوم وفاة والدي عام 1991.. فكان أمرا صعبا.. ثم الوالدة بعد عام ثم عمي ووالد زوجتي بعد أربعة أعوام.. ومن ثم كلما مات إنسان أبكيه خلف الحدود..
copy short url   نسخ
04/02/2019
1994