+ A
A -
جاءت زيارة الرئيس الفرنسي ماكرون إلى القاهرة مطلع الأسبوع الحالي، والتي استمرت ثلاثة أيام، ولقاؤه قائد الانقلاب العسكري عبدالفتاح السيسي في ظل أحداث وصفقات وتكتلات بعضها واضح ومعلن والبعض الآخر غير معلن، وإن كانت الدلائل كافية لمعرفته وتوقعه، الواضح منها هو محاولة ماكرون الحصول على صفقات جديدة ينعش بها الاقتصاد الفرنسي المتراجع في السنوات الأخيرة والواقع تحت الضغط الداخلي عليه من قِبَل متظاهري السترات الصفراء.
والخلاف المتصاعد بين فرنسا وإيطاليا حول مصالح الدولتين في أفريقيا وليبيا بوجه خاص والذي ارتفعت وتيرته مؤخرًا، وفي المقابل يسعى الجنرال وبكل جدية وشراسة لتعديل الدستور ليتمكن من الاستمرار في سدة الحكم، وهو ما بدأت خطواته الأخيرة في الاكتمال في ظل التسريبات المتواصلة والدعوات المستمرة المؤيدة للجنرال حتى من بعض أركان نظام المخلوع مبارك، ويحاول الحصول على الضوء الأخضر من الخارج ونعني هنا أوروبا وأميركا، وغير المعلن عنه منها هو محاولة فرنسا ترتيب أوراقها في أفريقيا والشرق الأوسط في ظل احتدام الصراع المتعدد الأطراف غربيًا حول ثروات ومقدرات القارة خاصةً بعد تنامي الحضور الصيني بقوة على الخط ونزاعها مع المستعمرين القدامى الجدد للقارة الأفريقية.
انتقد ماكرون بعبارات واضحة أوضاع الحريات وحقوق الإنسان والاعتقالات ومنع التظاهر وحجب المواقع وغيرها، وهي تصريحات قد تؤخذ على أنها نية طيبة من فرنسا وتوجه للضغط على النظام الانقلابي لتغيير تلك التصرفات أو الحد منها، وهذا غير صحيح، بل في الحقيقة هو توضيح ما يمكن لفرنسا أن تستخدمه لإزعاج نظام السيسي لو لم يمنح حصصًا جديدة للشركات والمؤسسات الفرنسية في المشروعات المختلفة وخصوصًا في مجالات الطاقة ووسائل النقل أسوة بألمانيا وإيطاليا وغيرهما من البلدان الأوروبية التي لها شركات عاملة في مصر، ودفعه لإتمام الصفقة العسكرية المتوقفة حول شراء مصر لدفعة جديدة من طائرات الرافال، بجانب المنافع الاقتصادية لفرنسا مع وداخل مصر هناك صراع تدور رحاه منذ مدة ليست بالقصيرة على الحدود الغربية لمصر داخل ليبيا واحتدام الخلاف بين إيطاليا وفرنسا هناك حول النفط وغيره من القضايا كالمهاجرين من مختلف دول أفريقيا نحو القارة الأوروبية على سبيل المثال لا الحصر، وليس خافيًا كون السيسي- ذراع الإمارات- وفرنسا يقفان خلف نسخة السيسي اللييبة «خليفة حفتر»، بينما تفضل إيطاليا حكومة الوفاق الوطني برئاسة فايز السراج في طرابلس والتنافس المحموم بين شركات النفط الفرنسية والإيطالية حول البترول الليبي.
كعادته حاول الجنرال الهروب إلى الأمام ومزج حديثه عن ما تحقق في مصر من إنجازات وفي الوقت نفسه صعوبة ما يواجه نظامه في سبيل محاربة الإرهاب- نغمة ماكرون ورفاقه المفضلة- والمشاكل التي تواجهه في التعليم والصحة وتوفير فرص العمل نتيجة زيادة عدد الخريجين مدعيًا أن عددهم يبلغ المليون سنويًا وهو ادعاء باطل فعددهم الحقيقي هو في حدود 300 ألف فقط حسب جهاز الإحصاء الحكومي، وارتفاع عدد السكان وهو ما يعتبر عامل تقدم وقوة اقتصادية وتنموية لو تم استغلاله بالطريقة الصحيحة وهو ما لم ولن يحاول السيسي وعسكره القيام به، فهذا ضد مشروعهم الطارد للكفاءات والعقول حتى لا تتشكل أجيال واعية وقادرة تهدد سيطرة وامتيازات منظومتهم العسكرية، وتساءل عن ما يمكنه عمله واستعداده لسماع النصائح وتنفيذها وكأنما كتب على مصر- صاحبة أقدم حكومة مركزية في التاريخ- أن تبتلى في آخر الزمان بمن جاء ليتعلم فيها أساليب الحكم وإدارة الملفات والأزمات.
وهو تصريح أكثر من كافٍ ليدل على أن الجنرال جاء ومستمر بحكم السلاح والقهر ورضا الكفيل وحدهم، فهو لا يعلم واجبات رأس الدولة ومسؤولياته وقفزت إلى مخيلتي الفنانة الكوميدية الراحلة ماري منيب وجملتها الشهيرة لتجيب عن تساؤل الجنرال اللوزعي: «إنتي جاية إشتغلي إيه».
بقلم: جمال الهواري
copy short url   نسخ
08/02/2019
1140