+ A
A -
منذ فترة ليست قليلة وأنا شغوف بمتابعة حياة اليابانيين وثقافتهم وعبقرية تجربتهم في التنمية والتقدم، انهم الشعب الذي نهض من هزيمة مروعة وقاسية، ونجح في بناء اقتصاد قوي، بل وأصبح نموذجا لشعوب آسيوية اخرى انهمكت في محاكاة نهوض اليابانيين، واصبح يطلق على الآسيويين الجدد الذين قلدوا اليابانيين: «النمور الآسيوية»، فقد نجح اليابانيون في بناء حضارة وثقافة لفتت العالم بتشامخها الاقتصادي إلى ان التفوق والتعملق ليس غربا فقط، بل انه شرق ايضا.
ومما لفتني مؤخرا في حياة اليابانيين عشقهم لرياضة المشي، ولكنهم يحسبون مقدار ما يمشونه بعدد الخطوات التي يخطونها وليس بعدد الدقائق التي تمارس بها هذه الرياضة الجميلة، حتى ان احدى الشركات اليابانية انتجت عدادا للمشي يحمل اسم الـ«مانبو – كي»، و يعني هذا الاسم «10 آلاف خطوة»، ليشجع هذا الجهاز من يمارس رياضة المشي ان يقطع هذا العدد من الخطوات في كل مرة، غير انه في مرحلة تالية من العمر يتم تخفيض عدد الخطوات تدريجيا مع التقدم في العمر.
وقرأت ان الرجل الياباني في عمر السبعين أو نحوه يمشي 2400 خطوة، ولأنني لم أبلغ بعد السبعين من عمري، فقررت ان أمشي يوميا عددا من الخطوات يبلغ نحو 2700 خطوة، ولكن المشكلة انني امشي بلا عداد يعد عدد خطواتي كما يستعين اليابانيون بهذا الجهاز، لهذا أمشي متمتما بالعدد حتى لا يتهمني من يراني بأنني رجل منفلت ذهنيا وأخرف بالحديث إلى نفسي أثناء المشي.
والغريب في هذه الرياضة الجميلة، انها رياضة معظم عظماء الازمنة ومشاهيرهم من السياسيين والزعماء والعلماء والروائيين والشعراء ومختلف الادباء، حتى ان الماهتما غاندي، مثلا، انجز كل الافكار والمشروعات التي اتبعها لإنجاز حلمه في استقلال الهند خلال ممارسته لرياضة المشي، وكثير من الادباء والكتاب أتتهم الافكار التي صاغوا منها ابداعاتهم الادبية خلال مشيهم إما في صباح باكر أو في صدر مساءاتهم، فالمشي عمل عضلي يقضي على البلادة ويحسن الصحة العامة والتنفس على نحو ينشط الذهن والذاكرة وعمليات التفكير المختلفة، علما بان رياضة المشي لا يجب ان تكون فقط للباحثين عن تخفيض اوزانهم الثقيلة ويبحثون عن الرشاقة، بل ان المشي يجب ان يكون رياضة الجميع.
وفي زمن التعليم الجيد الذي تخلص من حقائب الكتب الثقيلة التي كانت تقهر ظهور التلاميذ صار يسعدني ان أرى مجموعات منهم يمشون إلى مدارسهم على أقدامهم ولا حاجة لديهم لاستخدام الباصات، وبعض آخر منهم يستخدمون دراجات انيقة ان كانت منازلهم على مسافة قريبة نسبيا من مدارسهم.
وأتذكر ان صديقي هاشم كرار اخترع في رزنامتي اليومية وقتا في الصباح الباكر للمشي على كورنيش الدوحة، الذي يعد الاجمل بين مثيليه في المنطقة فكنا نتفق ان نمشي صباحا نحو نصف الساعة أو يزيد، لنعود قبل ظهور اول خيط من الشمس.. ولكنني لم استمر في ذلك لتعارض التزامات عملي مع موعد هذه العادة اليومية الرائعة!
copy short url   نسخ
12/02/2019
1728