+ A
A -
حبشي رشدي
حتى فراق الأحبة... اخترعوا له تذكرة دواء تحوي مجموعة من الإرشادات يمكن اتباعها لإتمام الفراق بطريقة سلسة تخلو من الآلام، قليلة الخسائر، شحيحة الحزن، فيذهب كل من طرفيه إلى طريقه بلا دموع ولا ذاكرة محشوة بالذكريات.
أغلب الظن أن خبراء الصحة النفسية والأسرية الذين قدموا هذه الإرشادات والنصائح لم يقدموا على ذلك من فراغ، ولكنهم تلمسوا أن الحب والعلاقات الزوجية في القرن الحادي والعشرين تتلف بسرعة تلف الزهور، حتى أن بعض الأزواج فضلوا الطلاق بعد دقائق معدودات من عقد قرانهم، فشيوع الطلاق المبكر صار ظاهرة مؤرقة، ولهذا صرت أظن ايضا أن المقبلين على الزواج سواء بعد علاقة حب أو من عدمه، ستجد في جيوبهم هذا الارشادات وهم في حفل عقد القران استعدادا للفراق باتخاذ كافة الاحتياطيات لإتمامه بلا ألم أو حزن وهموم، فالزواج والحب والصداقة أصبحت في زمننا الراهن علاقات إنسانية قصيرة العمر، ولا أبالغ ايضا لدى القول انه حتى المعاهدات والاتفاقات والتفاهمات والارتباطات بين الدول، على مختلف مستوياتها، أصبحت كذلك قصيرة العمر، فانظروا كيف تراشق القطبان الأعظمان مؤخرا بالتنصل من اتفاقية الصواريخ التي كانت قد أبرمت بينهما.
إذا، عالمنا صار ضيق الصدر وانفعاليا، وقد لا أبالغ لدى وصف عالمنا الراهن بانه صار عالما «سيكوباتيك» أي يعاني من فقر عام في الانفعالات، والبعد عن العلاقات الشخصية وفصم الاتفاقات، انظروا مثلا كيف سارعت زوجة رئيس المكسيك أو سيدة المكسيك الأولى إلى طلب الطلاق من زوجها الرئيس بتدوينة عبر حسابها على «انستجرام» لمجرد شبهة حامت حول زوجها، قائلة أن كل طاقاتها وحبها ستتركز على أن تظل أمًّا صالحة وانها ستسعى إلى استعادة حياتها ومشوارها المهني السابق لزواجها، وليس بوسع احد أن يلومها على ما أقدمت عليه، فهي الأدرى والأعلم بالأسباب الكاملة والحقيقية التي استدعتها إلى الاستغناء عن لقب سيدة المكسيك الأولى، ولم تتمتم في بالها كلمات تشبه ما غنته سميرة سعيد: «مش هتنازل عنك مهما تكون»، فهذا المعنى الانبطاحي الوارد في هذه الاغنية العربية اصبح تاريخا وتراثا، فالتنازلات من الجنسين صارت على اشدها، والزواج على ورقة طلاق صار هو القاعدة وخلافه استثناء!، وأذكر انه في موريتانيا الشقيقة فإن المطلقات يقمن حفلا كبيرا يدعون اليه كل صديقاتهن احتفالا بالحصول على الطلاق، أي أن المطلقات الموريتانيات سبقن خبراء الصحة النفسية والاسرية في البحث عن فراق بلا ألم.
واولى النصائح التي أسداها خبراء الصحة النفسية والاسرية ليكون الفراق بلا ألم، انه عند الشعور بلوعة الفراق والاشتياق فلا تتوسل من اجل فرصة اخرى، كما يتعين عليك رسم سيناريو جديد للنهاية حيث يكون ذلك أفضل طرق التغلب على آثار ما بعد الصدمة. فإذا كنت الضحية وتُركت وحيداً محطم القلب، ما عليك إلا أن تتخيل نهاية مختلفة تكون أنت فيها المنتصر وليس العكس، فكن الغالب وليس المغلوب، وكذلك من هذه النصائح انه يتعين عليك الا تقسو على نفسك وتحمل نفسك أسباب هذا الفراق المؤلم لأنه من شأن ذلك أن يزيد الطين بلة.
copy short url   نسخ
19/02/2019
1848