+ A
A -
في عالم السياسة على اختلاف مدارسها وتنوعها هناك قاعدة واحدة جوهرية وثابتة وهي (لا توجد هناك ثوابت في عالم السياسة)، حليف الأمس عدو اليوم والعكس صحيح، هناك حوالي 6500 لغة في العالم اليوم حسب بعض الإحصائيات والدراسات لكن في عالم السياسة الحقيقي توجد لغة واحدة يشترك الجميع في النطق والتحدث بها وهي لغة المصالح حينها تختفي كل الخطوط والفوارق وتتقدم المصلحة والمنفعة، تلك هي أ. ب سياسة باختصار، لكن يبدو أن عالمنا العربي لم يتعلم هذا الدرس بعد رغم أن اللغة العربية والعادات والتقاليد والثقافة ووحدة المصير تجمعنا سويًا من المحيط إلى الخليج.
مع هذا لا زالت لغة المصالح تفرقنا والحدود تمزقنا مع أن الأعداء والخصوم اليوم ورغم اختلاف لغاتهم ومصالحهم ومآربهم قد اتفقوا على أن تكون الأمة العربية ومنطقتها الجغرافية وثرواتها فوق الأرض وتحتها هي منطقة الصراع والنفوذ والاستقطاب الأكثر وضوحًا في العالم أجمع.
أيهما الأولى بالخصومة إيران أم الكيان، القضية الفلسطينية والعداء الصهيوني أم التهديد والتمدد الإيراني، عاصمة عربية واحدة يحتلها الكيان الصهيوني أم أربع عواصم عربية تسيطر عليها أو تؤثر في قرارها السياسي طهران بطريقة أو بأخرى، تلك هي المعادلات والأطروحات التي يجري الترويج لها والدفع بها للواجهة كلما أراد المعسكر الغربي الشرقي الذي تتزعمه وتقوده الولايات المتحدة الأميركية الوصول لهدف ما أو تحقيق مصلحة ومنفعة له أو لحليفه وطفله المدلل في المنطقة (الكيان الصهيوني) وتحشد له بشتى الطرق ومختلف الوسائل، وكأنما كتب على الأمة العربية أن يفرض عليها دومًا خياران لا ثالث لهما دون أن يكون لها خيارها الخاص الذي يصب في مصالح شعوبها وليس في جيوب وخزائن من يروجون لأنفسهم على أنهم حلفاؤها المختلفة لغاتهم وأديانهم ومذاهبهم وجغرافيتهم المتفقون ضمنيًا على تغليب المصلحة والصراع خارج حدودهم لحسم الخلافات في ما بينهم، منذ رحيل المستعمر الأوروبي عن المنطقة العربية ورثت الولايات المتحدة الأميركية النفوذ البريطاني الفرنسي عقب غروب شمس الإمبراطورية البريطانية وتراجع القوة الفرنسية (القوى التي كانت تسيطر على معظم المنطقة العربية)، وقول الولايات المتحدة للكلمة الفصل في الحرب العالمية الثانية إثر قصفها لليابان بالقنابل الذرية وأنهت عمليًا الحرب على الأرض لتعلن عن نفسها وبكل وضوح قوة عظمى مقابل الاتحاد السوفييتي وقتها إثر مصافحة جنود الجيشين الأحمر والأميركي لبعضهما البعض فوق أنقاض برلين لتكتب نهاية الحرب العالمية الثانية عسكريًا في أوروبا وتبدأ حقبة جديدة من صراع المصالح ومناطق النفوذ تتنازع وتتنافس عليها مختلف القوى العالمية حتى يومنا هذا اقتصاديًا وسياسيًا وثقافيًا وعسكريًا لكن في الأخيرة تكون ميادين الصراع خارج الحدود فقد تعلمت تلك القوى الدرس جيدًا من الحرب العالمية الثانية.
في فلسطين المحتلة يجاور الكيان الصهيوني أربع دول عربية (مصر والأردن وسوريا ولبنان) عقد الكيان الصهيوني مع مصر معاهدة سلام في 1978 نتج عنها تحييد القوة العسكرية والكتلة السكانية الأكبر من معادلة الصراع بعد حرب أكتوبر 1973، وعقد مع الأردن معاهدة مماثلة في 26 أكتوبر 1994 عرفت باتفاقية وادي عربة نتج عنها تحييد الدولة التي تحوي أكبر عدد من اللاجئين الفلسطينيين والمشرف الرسمي على المسجد الأقصى وأوقاف القدس والمتاخمة حدودها لقلب الكيان الصهيوني وهو ما يشكل خطرًا محدقًا على الكيان حال نشوب صراع عسكري، أما سوريا فهي في حالة هدوء شبه تام مع الكيان منذ اتفاقية فض الاشتباك بين الطرفين في 31 مايو 1974 في ظل تفوق عسكري للجانب الصهيوني حتى يومنا هذا مع احتفاظه بهضبة الجولان الاستراتيجية جيوسياسيًا والمنيعة عسكريًا، ويحتفظ الكيان بهدوء حذر مع لبنان منذ تفاهم أبريل 1996 والانسحاب الأحادي الجانب من الجنوب في 25 مايو 2000، ولدى إيران تواجد قوي في الساحتين السورية واللبنانية عبر حليفها بشار في سوريا وذراعها في لبنان «حزب الله» وهو ما يعني عمليًا تماسها مع حدود الكيان الصهيوني في جهتين من الحدود الأربعة ودعمها لحماس في قطاع غزة وما له من مغزى سياسي أكثر منه عقائديا وأيديولوجيا ضد الكيان الصهيوني، ناهيك عن بصماتها الواضحة في العراق واليمن والجزر الثلاث التي تحتلها من الإمارات منذ 30 نوفمبر 1971 قبل يومين فقط من استقلال الإمارات رسميًا عن بريطانيا في 2 ديسمبر 1971، وهنا مربط الفرس في أي معادلة تطرح حول أيهما الأكثر خطورة وخصومة مع الدول العربية ومن منهما الأجدر بالوقوف ضده وضد مشروعه؟.
بقلم: جمال الهواري
copy short url   نسخ
21/02/2019
1452