+ A
A -
لن نسرد هنا أسباب مشاركة غالبية القوى السياسية المدنية- بقصد أو دون- بجانب أجنحة الدولة العميقة وبقايا نظام المخلوع مبارك فقد قتلت بحثًا وتم سردها عشرات المرات، لكن لا بد من التركيز على النقطة المحورية والأهم وهي ظن وتوهم تلك القوى على أن المؤسسة العسكرية ستزيح بقوة السلاح النظام المنتخب ثم ستسلم السلطة للتيار المدني بعد إقصاء أو تحجيم جماعة الإخوان المسلمين وجناحها السياسي الخصم الأكبر للعسكر والفصيل السياسي الأكثر انتشارًا وتأثيرًا على الأرض في مواجهة قوى التيار المدني الضعيفة التواجد ومحدودة التأثير في الواقع السياسي المصري.
فجميعها بلا استثناء ليست لها قواعد شعبية مؤثرة ومنفصلة عن غالبية قطاعات الشعب وخطابها نخبوي في الأساس، ولذا عمل العسكر على تضخيمها واستغلال خلافها الأيديولوجي المتجذر مع جماعة الإخوان المسلمين والنظام المنتخب وفي المقابل استفاد من هذا في منحها الغطاء الشعبي والسياسي اللازم والضروري للقيام بالانقلاب العسكري تحت دعوى أن هذا تم إثر مطالب شعبية وليس رغبةً من المؤسسة العسكرية في العصف بكل ما يمت لثورة يناير بصلة وإحكام القبضة على الدولة مجددًا وبصورة أشمل وأكثر قمعية ووحشية ودموية من ذي قبل، فقد تلاعب العسكر بالجميع، وأثمرت اللعبة عن إنهاك جماعة الإخوان المسلمين وجناحها السياسي بصورة كبيرة وإحراق كافة رموز التيار المدني وتركيع كافة مؤسسات الدولة حرفيًا لصالح المؤسسة العسكرية ومندوبها القابع في سدة الحكم.
لتكتمل الصورة لا يمكن بأي حال من الأحوال تناول ما حدث ويحدث على الساحة المصرية كونه شأن مصري داخلي بحت دون ربطه بالخارج والمقصود بالخارج هنا جميع القوى والكيانات والدول التي كان يؤرقها ويزعجها ويؤثر على مصالحها في المنطقة استقرار الوضع في مصر عقب الثورة واستمرار التجربة الديمقراطية مهما كانت أيديولوجية الجالس في سدة الحكم طالما جاء بإرادة شعبية وعبر صناديق الاقتراع، وازداد هذا الانزعاج والقلق عندما أفرزت الصناديق نظام ينتمي الرئيس فيه- الرئيس محمد مرسي- إلى تيار الإسلام السياسي رغم أن كل المؤشرات والدلائل كانت ترجح فوز هذا التيار بأي انتخابات ستجري في دول الربيع العربي لو قدر لثوراتها النجاح، لهذا كان من الحتمي على تلك الدول والقوى المتباينة المصالح والأيديولوجيات أن تبذل أقصى ما يمكنها للقضاء سريعًا على أحلام ومكتسبات ومطالب الشعوب الثائرة وإعادتها للمربع الأول بشتى الطرق والوسائل فكل السبل مشروعة متاحة من انقلابات عسكرية وحروب أهلية وصراعات داخلية، يشترك في هذا دول عتيدة في الديمقراطية كالولايات المتحدة الأميركية والدول الرئيسية في أوروبا الغربية بوجه خاص والدب الروسي المناوئ لهم وحلف الثورة المضادة في المنطقة وفي مقدمته الإمارات والسعودية وتوابعها وحليف المصلحة والعدو الأول للشعوب العربية برمتها «الكيان الصهيوني» ودول إقليمية لها طموحات في المنطقة العربية وفي مقدمتها إيران.
ردود الفعل الباهتة حول العالم- على المستوى الرسمي- خاصةً في الولايات المتحدة الأميركية ودول الاتحاد الأوروبي تعقيبًا على قيام النظام الانقلابي في 20 فبراير الحالي بتنفيذ حكم الإعدام شنقًا بحق 9 من معارضي الانقلاب في ما يعرف بقضية مقتل النائب العام رغم ما اعترى تلك القضية من قصور قانوني واضح وأنه إعدام سياسي ليس إلا، ولا دخل للقانون أو العدالة به من قريب أو من بعيد والشباب الـ9 الذين تم إعدامهم انتزعت اعترافاتهم تحت التعذيب ونفذ الحكم سريعًا بعد فترة قصيرة من إقراره- عكس المعتاد- عبر منظومة قضائية منبطحة كليًا للنظام العسكري وتمثل الديكور القانوني اللازم للنظام خارجيًا أمام العالم وتمرير الرسائل داخليًا للثوار والمعارضين وكافة طوائف الشعب أن لا أمان لأي ثائر أو معارض وعجلة التصفية لن تتوقف إلى أن يصمت الجميع ويتقبل السيطرة العسكرية، وهذا لم ولن يحدث التاريخ يخبرنا بهذا، وجاء تنفيذ الإعدام بعد أيام معدودة من مشاركة الجنرال السيسي في مؤتمر ميونيخ للأمن والذي استضافته ألمانيا في الفترة من 15-17 فبراير الجاري ويعتبر أهم وأكبر لقاء من نوعه على مستوى العالم عبر مشاركة نحو 40 رئيس دولة وحكومة و100 وزير وألقى الجنرال الدموي كلمة في جلسته الافتتاحية وركز فيها بصورة أساسية كعادته على ضرورة محاربة الإرهاب وتجديد الخطاب الديني- الأسطوانة المفضلة للغرب- وربط هذا بصورة أو بأخرى بالدين الإسلامي دون غيره.
بقلم: جمال الهواري
copy short url   نسخ
01/03/2019
1677