+ A
A -
الثورة في المجمل هي الخروج والدفع لتغيير الوضع والنظام القائم بصورة غير نمطية نتيجة عدم الرضا والغضب والتطلع لمستقبل أفضل ولها أشكال عدة بين حراك سلمي أو تتدرج في القوة والعنف تبعًا لردة فعل النظام واستعداد أو اضطرار الشعب لتسليح الثورة وتتنوع في الأساليب والطرق من دولة لآخرى ومن مجتمع لآخر، ومن الصعوبة بمكان أن تتطابق المعطيات وحتى النتائج من مكان لآخر، وإن كان يمكن استبعاد المنطقة العربية في تلك النقطة بدرجة ما عن غيرها كونها منطقة جغرافية واسعة لكن تجمعها خصائص مشتركة بين شعوبها أكثر من أي منطقة أخرى في العالم.
وهو ما يجعل ثورات الربيع العربي علامة فارقة وحدثا ملهما وصفحة ناصعة البياض في كتاب التاريخ العربي رغم ما يذهب إليه الكثيرون من أنه قد فشل في تغيير الأوضاع إلى الأفضل بل تغيرت إلى الأسوأ -وهو صحيح ولكن بشكل مؤقت ومرحلي بكل تأكيد- ودفعت شعوبه أثمانا باهظة جراء محاولتها الحصول على حريتها والتخلص من أنظمة قمعية وديكتاتورية جاثمة على صدورها ومتشبثة بالسلطة منذ فترة ما بعد التحرر من الاستعمار الغربي ولكن تمكنت تلك الأنظمة من البقاء بصورة أو بأخرى، وهو ما قد يبدو صحيحا نظريًا ولكن منذ متى كان الطريق إلى الحرية مفروشًا بالورود أو سهل المنال ويمكن تحقيقه دون بذل الجهد وحتى الدماء من أجل تحقيقه؟ ومهما كانت نتائج الربيع العربي حتى الآن وأنه لم يصل إلى ما كانت ولا تزال تصبو إليه وتتمناه الشعوب الثائرة لكن من المستحيل أيضًا إعادة عقارب الساعة إلى الوراء وحتى ما وصفه البعض بالفشل هو تجربة ملهمة بإيجابياتها وسلبياتها ستسفيد منها حتمًا تلك الشعوب في قادم أيامها وثوراتها المقبلة بشكل حتمي لا شك فيه، فما دعاهم للخروج بالأمس القريب من أسباب وعوامل قد زاد سوءًا في الفترة الحالية عن ما سبق منذ ثماني سنوات بمراحل.
القاعدة التاريخية والحتمية تقول ان الخروج للثورة ينتهي إما لنجاحها وقد يكون هذا النجاح بدرجات متفاوتة من تغيير جذري وشامل وصولًا لتحسين الوضع للأفضل ولو بصورة نسبية وإما أن يجدد النظام نفسه لكن بصورة أشرس وأعنف عن ما كان عليه قبل الثورة ضده أو السقوط في دوامة نزاع داخلي مسلح وحرب أهلية، لكن تبقى المعضلة الأهم وهي هل خرجت الجموع ضد نظام أم فرد؟ فما تكرر وبصورة تدعو للعجب في كافة دول الربيع العربي هو الاعتقاد أنه بمجرد التخلص من رأس النظام تكون الثورة قد نجحت -حسب اعتقاد الغالبية من النخب والقواعد على السواء-، وربما يعود سبب هذا للهالة التي دومًا ما يحيط الطاغية نفسه بها للدرجة التي تجعل مجرد القدرة على انتقاده ومعارضته لفظيًا هو ترف ورفاهية وشيء نادر الحدوث فما بالك بالقدرة على الإطاحة به وإزاحته من على كرسي الحكم، ولكن التجربة والواقع قد أثبت بما لا يدع مجالًا للشك أن نجاح الشعب في الضغط على النظام وإجباره على الإطاحة بالرأس يزيد من شراسته وليس العكس ويدفعه للانتقام من الشعب على ما يعتبره انكسارا وانحناء لعاصفة الغضب الشعبي، فما يعتبره الشعب إنجازا -وهو كذلك- لا يعدو كونه تحريك لقمة جبل الجليد ليس أكثر وإجبار للمنظومة على تغيير الوجه المعبر عنها والممثل لها في سدة الحكم مع دائرته المقربة والظاهرة للعيان، فمهما كانت درجة طغيان رأس النظام واستبداده وإجرامه فهو لا يقوم بكل هذا بمفرده ولكن عبر مؤسسات تسانده وتقوم بتنفيذ رغباته وأوامره وتقف وراءه وتمنحه من الأسباب والقوة ما يمكنه من فرض رؤيته وإرادته، وبدون تلك المؤسسات ودعمها يبقى بلا حول له أو قوة.
بقلم: جمال الهواري
copy short url   نسخ
14/03/2019
2104